لماذا لا يمكنك رؤية درب التبانة في سماء ليالي الربيع؟

[محمد صفوت]

انا : محمد صفوت

قد يتوقع الكثيرون أن الربيع من أفضل أوقات السنة لرصد درب التبانة، لكن انتظر فهذا غير صحيح أبداً. فهذا الوقت من السنة مُخصصٌ لملكة مضطربة سُرقت ضفيرتها التي وضعتها في معبد، فضفيرتها تظهر عالياً في السماء لتهزم حزام درب التبانة مؤقتاً خلال الربيع، في حين تتراجع الأخيرة إلى مناطق قريبة من الأفق لتمتنع عن الظهور في المشهد. ويُحدثنا هذا المقال عن السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك.

الآن، يتحرك القمر المضيء خارج سماء الليل، ولدى راصدي السماء فرصة عظيمة لمشاهدة أولى نجوم الربيع. وحتى راصدي النجوم البعيدين عن كارثة التلوث الضوئي، سيلاحظون أنَّ هنالك شيئاً ما مفقود من المشهد الحالي في سماء نصف الكرة الشمالي. إنها درب التبانة.

وحتى بوجود سماء صافية ومظلمة، ستعاني كثيراً لرؤيتها لأنها تظهر الآن وهي تتحرك بشكلٍ كامل تقريباً حول الأفق. وفي العادة، تظهر درب التبانة على شكل وشاحٍ ضوئيٍ شاذ وخافت يمتد على طول السماء، ويمكن مشاهدة درب التبانة في أغلب أوقات السنة عندما تكون سماء الليل صافية جداً ولا وجود للقمر فيها. (مع ذلك، لايمكن رؤيتها أبداً في المدن المضاءة بشكل كبير كنيويورك).

وأفضل أوقات السنة لمشاهدة درب التبانة هي أواخر الصيف وأوائل الخريف عندما تمتد أكثر أقسامها لمعاناً من الجزء الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي من السماء، وتظهر تقريباً على شكل قوس ممتد في السماء.

• الملكة المضطربة

لكن، خلال هذه الأوقات من السنة وأثناء ساعات الليل -وحتى في أفضل الظروف- ستكون درب التبانة غير مرئية مع تحركها على طول الأفق، حيث تكون مختفية جراء وجود الغلاف الجوي الأكثر كثافة بالقرب من الأرض.

إذا نظرت هذا الأسبوع في منتصف الليل بالتوقيت المحلي ومباشرةً عالياً في السماء، لن تُشاهد درب التبانة، وإنما عنقود نجمي دقيق يظهر على شكل رقعة ضوئية أثناء الليالي الصافية وغير المُقمرة. ويمكنك الحصول على أفضل منظر باستخدام زوج من المناظير. يُعرف هذا النمط من النجوم بالكوكبة التي حصلت على اسمها نسبة إلى سرقة: ضفيرة برنيس (Coma Berenices)، وتدعى أيضا بشعر برنيس (Berenice's Hair).

ووفقاً للقصة، فإن برنيس ملكة مصرية وزوجة بطليموس يوركتس (Ptolemy Euergetes)، الذي حكم حوالي العام 250 قبل الميلاد. ضحّت الملكة بضفائرها الكهرمانية الجميلة، ووضعتها في معبد فينوس في زفريوم (Zephyrium)، فهذا ما نذرته في حال عاد زوجها منتصراً من حربه ضد بابل، لكن الملكة غضبت واضطربت جداً عندما عرفت بسرقة شعرها من المعبد.

وفي النهاية، أقنع الفلكي كونون (Conon) الملكة الحزينة أنَّ الإله زيوس (Zeus) نفسه هو من أخذ الأقفال ووضعها في السماء. ومن هذه القصة، حصل العنقود على اسمه، على الرغم من أنَّ هذه المنطقة من السماء لم تكن معروفة بشكلٍ عام حتى حصل إنفصال لكوكبة برنيس في بداية القرن السابع عشر.

• برنيس للأعلى، ودرب التبانة إلى الأسفل

هنالك سبب جيد وراء وجود كوكبة "ضفيرة برنيس" في أعلى مواقع السماء عندما تظهر درب التبانه في أسفلها. ومن منظور الأرض، فكل نجم نُشاهده في سماء الليل ينتمي إلى مجرتنا "درب التبانة". تقع الشمس والنظام الشمسي في واحدة من الأذرع الحلزونية لمجرتنا على بُعد حوالي ثلثي المسافة الكائنة بين مركز المجرة والحافة البعيدة للجزء الرئيسي من مجرتنا.

لدرب التبانة شكل مشابه للقرص، ومعظم كتلة المجرة ونجومها موجودٌ في الجزء المسطح نسبياً والمعروف بالمستوي المجري (galactic plane). وتُعرف أبعد نقطتين موجودتين في هذا المستوي بالأقطاب المجرية (galactic poles). ومن الواضح أنّ قطب المجرة الشمالي يقع قريباً جدا من كوكبة برنيس، ولذلك عندما تكون تلك الكوكبة عالياً في السماء كما هي الحال الآن، سيتحرك المستوي المجري (الذي يُشار إليه أحياناً بخط الإستواء المجري) بالقرب من الأفق، ليختفي في العادة وراء الضباب القريب من مستوى البحر.

ولهذا السبب تكون درب التبانة منخفضةً عندما تكون كوكبة برنيس مرتفعة في السماء. وكتب هانزر ري (Hans A. Rey) في كتابه الإرشادي "النجوم: طريقة جديدة لمشاهدتها"، وهو من العاملين في مجال تبسيط السماء ووضع كتب وإرشادات تساعد على رصدها: "لا يُمكن لأي شعر أن يغطس في الحليب عند الحديث باستخدام تعابير السماوية".

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك