أهلا وسهلا بكم في منتدى المراجع المصرى/المحاسب القانونى محمد صفوت نتمنى لكم اجمل الاوقات برفقتنا
ضع وصفاً للصورة الأولى الصغيره هنا1 ضع وصفاً للصورة الثانية الصغيره هنا2 ضع وصفاً للصورة الثالثه الصغيره هنا3 ضع وصفاً للصورة الرابعه الصغيره هنا4
العودة   منتدى المراجع المصرى/المحاسب القانونى محمد صفوت > منتدى المحاماه والقوانين والتشريعات > فلسفة القانون وتاريخه
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: مفهوم الدعم والمقاومة (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: أفضل أنواع التداول (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: خطوات التسجيل في فرنسي تداول (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: شروط تسجيل عضوية بموقع حراج (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: رسوم الحساب الاستثماري في تداول الراجحي (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: اعتماد العزل (آخر رد :مروة مصطفي)       :: شركة امتلاك (آخر رد :مروة مصطفي)       :: كيفية شراء الاسهم الامريكية الحلال (آخر رد :سلمي علي)       :: طريقة تحويل العملات المختلفة (آخر رد :سلمي علي)       :: حجابات شيفون (آخر رد :سلمي علي)      

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-07-2013, 12:28 PM
مصطفى احمد مصطفى احمد غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 1,100
افتراضي الهيئات القضائية



القضاء المختلط

كان الملك يعتبر كبير القضاة في البلاد ، فهو لم يكن مصدر كافة السلطات فحسب بل كان أيضًا يعني بتصريف العدالة ، حتى أن رعاياه كانوا يعتبرونه ملاذهم الأعلى الذي يفزعون إليه إذا حاق به ظلم . ولذلك كان يوجد في القصر الملكي بالإسكندرية باب يدعى "باب الأحكام" (Chrematistikon pylona) ، وكان يوجد في المعسكرات خوان خاص يستخدمه الملك قاعة للأكل ولعقد محكمته .
ويحدثنا قرار حجر رشيد بأن بطلميوس الخامس كان يصرف العدالة للجميع في كل وقت، على نحو ما كان يفعل الإله تحوت عند المصريين والإله هرميس عند الإغريق. ومع ذلك ومع أنه كان في بعض الأحيان يفصل شخصيًا في قضايا رعاياه، فإنه كان عادة ينيب عنه القضاة المختصين للاضطلاع بهذه المهمة .

لقد عرفنا أن البطالمة عنوا باحترام عادات المصريين وقوانينهم، وأنهم مع ذلك لم يفرضوها على نزلاء البلاد من الأجانب بل أنشأوا لهم من القوانين ما يلائمهم، فكان للمصريين قوانينهم وللإغريق وغيرهم من الأجانب قوانينهم. ولما كان أغلب هؤلاء الأجانب من الإغريق، فقد كان طبيعيًا ألا يرشد البطالمة بوجه عام في تشريعهم الجديد إلا بالقوانين والعادات الإغريقية، كان لابد من أن يعهد بتصريف العدالة بين المتخاصمين إلى قضاة مصريين أو إغريق بحسب جنسية المتخاصمين ليكونوا بذلك أقدر على فهم لغتهم وقوانينهم وعاداتهم. ولذلك كان يوجد قضاة مصريون (Laokritai) للفصل في قضايا المصريين وفقًا لأحكام القوانين المصرية، كما كان يوجد قضاة إغريق (chrematistai) للفصل في قضايا الأجانب على اختلاف نحلهم وفقًا للتشريع الإغريقي الجديد. لكنه لم يكن ميسوراً على الدوام تنظيم اختصاص المحاكم وفقًا لجنسية المتخاصمين فقط، لأنه لم يحظر على الإغريق أن يتعاقدوا وفقًا لأحكام القانون الإغريقي إذا كان في ذلك مصلحة لهم، فنسمع مثلاً أن شخصين إغريقين حررا عقدًا مصريًا، ومصريين حررا عقدًا إغريقيًا. هذا إلى أنه لم يكن هناك مفر من أن يؤدي التعامل بين المصريين والإغريق إلى قضايا يكون فيها طرفًا الخصومة من جنسيتين مختلفتين، ولذلك فإن وثائق من القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد تحدثنا عن محكمة مختلطة (Koinodikion).

وفي ضوء ما أسلفناه يبدو أن القاعدة العامة هي أن الملك كان ينيب عنه محكمة مختلطة للفصل في قضايا بين طرفين ينتميان إلى جنسيتين مختلفتين، وقضاة مصريين للفصل في قضايا المصريين وقضاة إغريقيًا للفصل في قضايا الإغريق وغيرهم من الأجانب، لكنه كان يستثنى من ذلك: (أولاً) الشكاكوي الموجهة ضد موظفي الإدارة وعمال المالية و(ثانيًا) القضايا التي يمس موضوعها موارد الملك. و(ثالثًا) القضايا التي تخص الأشخاص الذين يمدون الخزانة بمواردها، حتى إذا كان موضوعها لا يمس موارد الملك. إن كافة هذه الأنواع من المشاكل كانت لا تنظر أمام المحاكم العادية، فقد كان الموظفون هم الذين يفصلون فيها، غير أن القضاة الإغريق كانوا يساعدونهم في بعض الأحيان على نحو ما سنتبينه فيما بعد بالتفصيل، وسنرى أيضًا أنه كان لرجال الجيش فيما يبدو محكمة خاصة بهم، ولذلك يمكننا أن نقسم القضاء في عهد البطالمة إلى أربعة أقسام: القضاء المختلط والقضاء المصري والقضاء الإغريقي والقضاء الخاص، غير أنه يجب أن نعترف منذ البداية بأننا لا نعرف على وجه التحديد اختصاص كل قسم من هذه الأقسام. ويزيد المشكلة تعقيدًا وغموضًا ـ ولعلها أكثر مشاكل تاريخ البطالمة تعقيدًا وغموضًا ـ ما نلمسه من ازدياد اختصاص رجال الإدارة القضائي على مضي الزمن، وما نلاحظه من نظر بعض القضايا أمام القضاء الإغريقي ثم الإداريين، أو عرضها أولاً على الإداريين ثم الالتجاء بعد ذلك إلى القضاة الإغريق.
القضاء المختلط
ذكرنا أن بعض وثائق القرنين الثالث والثاني تتحدث عن محكمة مختلطة، لكننا لا نعرف كيفية تكوين هذه المحكمة وإن كان يبدو معقولاً أنها كانت تتألف من قضاة مصريين وإغريق. ولا نعرف كذلك مدى اختصاص هذه المحكمة. وإذا كان البعض يرجح أنها كانت للفصل في القضايا المدنية بين المصريين والإغريق، فإن وثيقة من بداية عهد بطلميوس الرابع ترينا أن اختصاص هذه المحكمة لم يقتصر على القضايا المدنية فحسب بل كان يشمل أيضًا القضايا التي لها طابع جنائي، فقد نشب خلاف بين شخص يدعى ماريس بن بتوسيريس وشخصين آخرين يدعيان هيراكون وهيبون على تقسيم كرم. وبينما كان عمال ماريس يشتغلون في الكرم، جاء شخص يدعى بابثولاوس وطردهم ثم نشر هيبون وهيراكون أغنامهما في الكرم وبذلك أتلفت المروعات عمدًا، فأبلغ الحادث للشرطة لإثبات الحالة. وقدم ماريس هذه الشكوى لكي يقسم الكرم بينه وبين هيبون وهيراكون، ولكي يدفع هذان الشخصان تعويضًا له عن الخسائر التي تسببا فيها عمدًا ولمعاقبة بايثولاوس على ما أقدم عليه، فوقع القائد على الشكوى بأن ترسل إلى الإبيسناتس لمحاولة التوفيق بين الخصوم، أما إذا عجز عن ذلك فإنه يجب عرض الموضوع على المحكمة المختلطة.

وقد تصور البعض أن هذه المحكمة ألغيت في القرن الثاني قبل الميلاد لعدم ورود ذكر لها في قرار العفو الذي أصدره بطلميوس الثامن في عام اختصاص هذه المحكمة بالنص على أنه إذا نشب خلاف بين مصري وإغريقي نتيجة لعقد محرر بينهما، فإن لغة العقد المحرر بين الطرفين هي التي كان تقرر نوع القانون الذي يطبق وتبعًا لذلك نوع المحكمة التي يعرض عليها الخلاف، فإذا كان العقد مصريًا فإن القانون المصري هو الذي كان يطبق ومحكمة القضاة المصريين هي التي كانت مختصة بالفصل في الموضوع. وأما إذا كان العقد إغريقيًا، فإن القانون الإغريقي هو الذي كان يطبق ومحكمة القضاة الإغريق هي التي كانت صاحبة الاختصاص في نظر القضية، وأما إذا نشب خلاف بين طرفين مصريين فإنه كان يتعين عرض الأمر على محكمة القضاة المصريين.

وجلى من نص هذا القرار أنه خاصًا بالقضايا المدنية، مما يدل على أن القضايا الجنائية بين طرفين ينتميان إلى جنسيتين مختلفتين قد بقيت من اختصاص المحكمة المختلطة.

ويستوقف النظر أن هذا القرار نص على المحكمة التي يتعين أن تنظر أمامها الخصومة بين طرفين مصريين لكنه لم يشر إلى القضايا التي تنشأ بين طرفين إغريقين، مم يدل على أنه لم تكن هناك حاجة إلى ذلك لأنه لم يكن هناك أي لبس في أن ذلك كان من اختصاص محاكم القضاة الإغريق. وهذا يدل أيضاً على أن القضاة الإغريق درجوا على الاعتداء على اختصاص القضاة المصريين، مما حدا ببطلميوس الثامن إلى وضع حد لهذا العبث. ومع ذلك فإن وثيقة من عام 67 ق.م. ـ أي بعد قرار بطلميوس الثامن ـ تحدثنا بأن قضية بين طرفين مصريين أو على الأقل بين طرفين يحملان أسماء مصرية نظرت أمام محكمة القضاة الإغريق بالرغم من أن موضوع النزاع كان عقدًا مصريًا. ولقد عرفنا أن الأسماء لم تعد في هذا الوقت المتأخر دليلاً على الجنسية، فهل لم يكن طرفًا الخصومة مصريين وإن كانا يحملان أسماء مصرية، ولهذا السبب عرضت القضية على المحكمة الإغريقية؟ أننا لا نستطيع الجزم بشيء في تفسير هذه المسألة، بيد أننا لا نستطيع القول بأنه إذا كان هذا لا ينهض قرينة على اختفاء المحاكم المصرية عندئذ، فإنه يوحي باستمرار القضاة الإغريقية في الاعتداء على اختصاص القضاة المصريين.
القضاء المصري أو محاكم القضاة المصريين[/align]

إن المعلومات التي لدينا عن القضاة المصريين (Laokritai) طفيف ، ولا تسمح لنا بأن نتبين بجلاء منشأ هذا النظام ولا كيفية تكوين محاكم هؤلاء القضاة ولا مدى اختصاصاتها . غير أنه لما كان البطالمة قد احتفظوا والقانون المصري لرعاياهم المصريين ، ولما كانت هذه المحاكم المصرية ولتطبيق أحكام القانون المصري أي الفرعوني ، فلابد من أنها تمت بصلة إلى المحاكم القرعونية ، ومع ذلك لا نستطيع أن نقرر مدى هذه الصلة ولا مدى التعديلات التي صادفتها المحاكم المصرية في عهد البطالمة .
إن "محكمة الصدق" الفرعونية، التي يتحدث عنهاديودوروس كانت محكمة عليا يرأسها وزير فرعون، وتتألف من ثلاثين مندوبًا عن الهيئات الكهنوتية الكبرى في طيبة ومنف وهليوبوليس.وفي عهد الأسرة التاسعة عشرة كانت توجد محكمتان من هذا النوع، تنعقد أحداهما في طيبة والأخرى في هليوبوليس. ويبدو أن المحكمة العليا كانت تعيد النظر في القضايا المستأنفة إليها بعد الفصل فيها أمام المحاكم الابتدائية، غير أنها كانت تستطيع أيضًا النظر مباشرة في القضايا التي تهم فئة ممتازة من الناس. ويذكر ديودوروس أن الإجراءات المتبعة في المحاكم المصية كات تتسم بخاصة حكيمة، وهي الاشتراط بعدم الفصل في الدعاوي إلا على أساس الوثائق المكتوبة، مما حدا بديودوروس إلى القول بأن المحكمة المصرية العليا كانت لا تسمح بالمرافعات الشفوية، لكنه لم يذكر أن القضاة المصريين في عهد البطالمة اقتفوا أثر المحكمة الفرعونية العليا في عدم السماح بالمرافعات الشفوية. وإزاء انتشار الإغريق في مصر وغرامهم بالخطابة والجدل، لا نستبعد أن المحاكم المصرية في عهد البطالمة أيضًا كانت تحتم إقامة الحجة على أساس الوثائق المكتوبة، إلا أنها كانت تسمح بالمرافعات الشفوية، إذ لابد من أن تكون عدوى الخطابة قد انتقلت من الإغريق إلى المصريين. وعلى كل حال لا نستطيع اعتبار المحاكم المصرية في عهد البطالمة سليلة المحاكم الفرعونية العليا، فكل القرائن تشير إلى أن تلك المحاكم المصرية البطلمية كانت أقل منها شأنًا.

ويستخلص من قضية ميس (Mes) أنه كانت توج في عهد رمسيس الثاني ثلاث هيئات قضائية متفاوتة في المرتبة. كانت أقلها مرتبة هي هيئة القضاة المحليين، ثم تأتي فوقها هيئة قضاة أو أعيان منف وكان يرأسها النومارك، ثم تعلوها جميعًا هيئة المحكمة العليا التي كان يرأسها وزير فرعون وتنعقد في منف أو هليبوبوليس، لكن اختصاصها كان يشمل المديرية كلها أو منطقة أكبر من ذلك. ومن المحتمل أن هذه المحكمة العليا هي محكمة الصدق التي يتحدث عنها ديودوروس أو محكمة شبيهة لها، لكن لا شك في أنه لم تكن هذه المحكمة الرفيعة هي التي احتفظ بها البطالمة، بل الأرجح أنهم لم يستبقوا سوى المحاكم المحلية في المدن أو عواصم المديريات. غير أنه من المحتمل أنه كان بين هذه المحاكم المتواضعة وبين المحكمة الفرعونية العليا وجه للشبه على الأقل في بعض المناطق، وهو أن قضاة هذه وتلك كانوا من الكهنة، لأن الوثائق الديموتيقية ترينا أن محكمة القضاة المصريين التي كانت تنعقد في طيبة كانت تتألف من كهنة آمون. أكان ذلك مقصورًا على طيبة وغيرها من مراكز العبادة الكبرى، لأن البطالمة اضطروا إلى مدارة الجماعات الكهنوتية القوية في تلك المدن باختيار القضاة المصريين هناك من الكهنة؟ أم الأصح أن يكون البطالمة قد اكتفوا بإلغاء المحاكم الفرعونية العليا، لكنهم سمحوا باستمرار تكوين محاكم القضاة المصريين التي تبقت من الكهنة، لأن ذلك كان تقليدًا قديمًا لم يكن في وسعهم إغفاله، ولاسيما أن الكهنة كانوا أكثر المصريين علمًا وحكمة ودراية بالتقاليد، وتبعًا لذلك كانوا أقدر من غيرهم على الفصل في مشاكل الناس؟ ويؤيد هذا الرأي ما نتبينه من أنه في قضيتين نظرتا أمام محكمة القضاة المصريين في مدينتي أسيوط وبطوليميس، اللتين لم تكونا من مراكز العبادة الكبرى، وكان القضاة أيضاً من الكهنة. وإذا كانت محاكم القضاة المصريين تتألف من رجال الدين، فإنه يجب ألا نستخلص من ذلك أنه كانت لهذه المحاكم صفة دينية.

وتشير الوثائق إلى أنه في خلال القرن الثالث قبل الميلاد كان القائد يأمر بإحالة القضايا إلى هذه المحاكم إذا فشل ابيستانس (الحاكم الإداري) المركز أ:و القرية في التوفيق بين المتخاصمين، وإلى أنه في خلال القرن الثاني قبل الميلاد أصبحت كل محكمة من هذه المحاكم تتألف من ثلاثة كهنة وكذلك من مدع عام (eisagogeus) يتضح جليًا من لقبه أن وظيفته قد اقتبست من النظام الإغريقي. وكان المدعي العام يقوم بتلخيص القضايا وتحضيرها وتلاوة الوثائق أمام المحكمة عند انعقادها وتنفيذ ما تصدره من أحكام.

ويرى تاوبنشلاج أنه في القرن الثالث كان قائد المديرية برأس محكمة القضاة المصريين في ميديريته. وإذا كان يتعذر علينا أن نتبين من الوثائق ما يؤكد ذلك، فإنه مع ذلك غير مستبعد نظرًا إلى أنه في عصر الفراعنة كانت محكمة المدينة تحت رياسة النومارك وهو الذي آلت أغلب وأهم اختصاصاته إلى القائد بعد الفتح المقدوني. بيد أنه من ناحية أخرى لو صح أن القائد الإغريقي كان في القرن الثالث برأس محكمة القضاة المصريين في مديريته، لكان ادعى أن يفعل ذلك في القرن الثاني، لأنه في خلال هذا القرن ازدادت سلطته واتسعت اختصاصاته إلى مدى بعيد. غير أنه لا تاوبنشلاج يقول بذلك ولا يوجد في الوثائق ما يدل عليه، مما يضعف الرأي القائل بأن القائد كان يرأس محكمة القضاة المصريين في القرن الثالث.

ويعتقد كثيرون من المؤرخون أن محاكم القضاة المصريين كانت لا تفصل إلا في القضايا المدنية، على عكس المحاكم الفرعونية التي كانت تنظر في قضايا المصريين المدنية والجنائية. ويرى فريق ثالث أن الأدلة غير كافية للإدلاء برأي حاسم في هذا الموضوع. ويجب أن نستعرض أولاً الأدلة التي لدينا قبل أن ندلي برأي في هذا الموضوع. وتتلخص هذه الأدلة في وثيقتين من عام 221 ق.م.، وإحداهما عبارة عن شكوى قدمها شخص يدعى باسيس بن هاريوس، لأن شخصًا آخر اسمه حورس بن حورس ادعى على الطرف الأول بأنه أعطى تسنامونيس (Tesnamounis) ابنة الطرف الثاني إيصالاً على نفسه بأنه تسلم مبلغًا قدره 420 دراخمة، ولما كان الطرف الأول لم يعط مثل على ما ارتكبه. ونرى القائد الذي أرسلت إليه الشكوى بأمر الابيستانس بمحاولة التوفيق بين الطرفين إلى محكمة القضاة المصريين.

أما الوثيقة الأخرى فهي شكوى من سيدة تدعى ثامونيس ضد سيدة أخرى تدعى ثوتورتايس (Thotoratais)، لأنه بينما كانت السيدة الأولى تستحم في حمام السيدات حضرت السيدة الثانية وطلبت إليها الخروج من الحمام، ولما لم تستجب لرغبتها انهالت عليها ضربًا وقطعت العقد الذي كانت تحلى به جيدها، فقدمت شكوى إلى بتوسيريس عمدة القرية لكنه انحاز إلى جانب المعتدية وسجن المعتدي عليها أربعة أيام ونزع عنها معطفها وأعطاه للمعتدية وبعد ذلك أطلق سراحها. ولذلك تقدمت المعتدى عليها بهذه الشكوى لاسترداد معطفها أو قيمته المبينة في الشكوى، ولمعاقبة المعتدية على ما اقترفته، فأمر القائد الابيستاتس بأن يحاول مصالحة الطرفين وإلا فإن الأمر يجب عرضه على محكمة القضاة المصريين.

إن الشكوى الأولى خاصة بتهمة تزوير، والثانية بتهمة ضرب وسرقة وقد اتبع فيهما الأول الأمر الإجراء الذي سنجده في معظم القضايا، وهو محاولة التوفيق بين الخصوم ثم الالتجاء إلى المحكمة المختصة بنظر القضية إذا تعذر فض الخلاف قبل ذلك. وجلى أن موضوع التهمة في هاتين القضيتين جنائي وتحويل الأمر إلى محكمة القضاة المصريين يعني حتمًا أن اختصاصها لم يكن مقصورًا على القضايا المدنية فقط. وتأييدًا للرأي القائل بأنه لم يكن لهذه المحكمة اختصاص جنائي، يرى البعض أن القضية الثانية كانت قسمين أحدهما جنائي وكان من اختصاص القائد الفصل فيه، والآخر مدني ومن أجل ذلك أحيلت القضية إلى المحكمة المصرية لكننا لا نجد في الوثيقة سواء في الشكوى نفسها أم في توقيع القائد ما يفيد هذا التقسيم، بل إن تحويل الموضوع مباشرة إلى المحكمة المصرية إذ عجز الابيستاتس عن فض الخلاف بني الخصمين ليثبت قطعًا اختصاص المحكمة المصرية الجنائي، إذ لابد من إثبات الجناية أو الجنحة قبل المطالبة بالتعويض المدني. والقضية الأولى قاطعة مانعة في الموضوع. لأن المدعي فيها لم يطلب أي تعويض وإنما طالب بمعاقبة المتهم على تزويره، فإذا لم يكن للمحكمة المصرية اختصاص جنائي فلماذا حولت القضية إليها، اللهم إلا إذا كانت المعاقبة على التزوير من اختصاص جنائي، يرى البعض أن القضية الثانية كانت قسمين أحدهما جنائي وكان من اختصاص القائد الفصل فيه، والآخر مدني ومن أجل ذلك أحيلت القضية إلى المحكمة المصرية لكننا لا نجد في الوثيقة سواء في الشكوى نفسها أم في توقيع القائد ما يفيد هذا التقسيم، بل إن تحويل الموضوع مباشرة إلى المحكمة المصرية إذا عجز الابيستاتس عن فض الخلاف بين الخصمين ليثبت قطعًا اختصاص المحكمة المصرية الجنائي، إذ لابد من اثبات الجناية أو الجنحة قبل المطالبة بالتعويض المدني. والقضية الأولى قاطعة مانعة في الموضوع، لأن المدعي فيها لم يطلب أي تعويض وإنما طالب بمعاقبة المتهم على تزويره، فإذا لم يكن للمحكمة المصرية اختصاص جنائي فلماذا حولت القضية إليها، اللهم إلا إذا كانت المعاقبة على التزوير من اختصاص القضاء المدني وهو ما لم يقل به أحد. ومن الغريب أن المؤرخ الذي يقسم القضية الثانية قسمين ويسند الفصل في كل قسم منهما إلى هيئة قضائية مختلفة يحدثنا قبل ذلك بأنه لم يوجد في القضاء الإغريقي ولا في القضاء المصري محاكم لبعضها اختصاص مدني بحث ولبعضها الآخر اختصاص جنائي بحت.

وعلى كل حال فإن الوثائق الديموتيقية تحدثنا بأن محاكم القضاة المصريين كانت كغيرها من المحاكم البطلمية الأخرى، من حيث أنها كانت لا تفصل في القضايا فحسب بل كان أيضًا يمكن عقد الصلح أمامها بين طرفي الخصومة.

ويرى البعض أنه كان يمكن الاستئناف من أحكام محاكم القضاة المصريين إلى محكمة عليا في الإسكندرية يرأسها الأرخيديكاستس (archidikastes)، لكنه لا يوجد أي دليل على ذلك، بيد أنه لما كان قانون الإسكندرية يعترف بحق الاستئناف من أحكام المحاكم فإنه لا يبعد أنه كان يمكن الاستئناف لا من أحكام القضاة المصريين فحسب بل أيضاً من أحكام سائر القضاة. وإذا صح ذلك فلا يبعد أن القضايا المستأنفة كانت تعرض على محكمة الملك في الإسكندرية بعد أن يحضرها الأرخيديكاستس للملك.
القضاء الإغريقي أو محاكم القضاة الإغريقي[/align]

ومن حسن الحظ أن معلوماتنا عن محااكم القضاة الإغريق أوفى منها عن محاكم القضاة المصريين، ومع ذلك فإنه ينقصنا الشيء الكثير عن اختصاص هذه المحاكم الإغريقية المتنقلة، التي يعزى انشاؤها إلى بطلميوس الثاني، لتنوب عن الملك في الفصل في قضايا الإغريق وغيرهم من النزلاء الأجانب في مصر. ويبدو أن مهمة هؤلاء القضاة الإغريق (Chrematistai) لم تكن مستديمة، ولذلك فإنهم لم يكونوا موظفين يقضون حياتهم العملية في مناصبهم القضائية، بل يرجح أنهم كانوا أفرادًا من نزلاء البلاد يعهد الملك إليهم بمهمة الفصل في القضايا لمدة معينة لا نعرف مداها على وجه التحديد. وترينا الوثائق أن كل هيئة من هذه الهيئات القضائية الإغريقية كانت تتألف من ثلاثة قضاة، وأنه كان يتم تكوين كل هيئة وجود مدع عام (eisagogeus) وكاتب (grammateus) ومحضر (hyperetes).

وقد كانت للمدعي العام أهمية كبيرة حتى أن البعض ذهب "إلى حد اعتباره رئيس المحكمة، على حين أنه لم يكن كذلك وإن كانت له أهمية كبيرة، فقد كانت تمر بين يديه كافة الالتماسات والوثائق المقدمة إلى المحكمة، ويدعو المحكمة للانعقاد، بل يبدو أنه كان أيضًا يوقع الأحكام التي تصدرها. وكان كذلك يمثل المحكمة في فترات انعقادها وتعرف هيئة المحكمة باسمه، فنرى شخصًا يدعى أبولونيوس يقدم شكوى إلى بطلميوس الثامن ويلتمس تحويلها إلى محكمة القضاة الإغريقي المختصة بنظر القضايا الثامن ويلتمس تحويلها إلى محكمة القضاة الإغريق المختصة بنظر القضايا في المنطقة الممتدة من بالوبوليس إلى أسوان، والتي يمثل الدعوة العامة من الأهمية، إلا أنها تثبت أيضًا أنه لم يكن رئيس المحكمة. ولعل اسمه كان معروفًا لدى الناس، لأنه كان موظفًا مستديمًا على عكس القضاة أنفسهم. ويبدو أن هذا الموظف كان يشرح أركان الدعوة، ولا يترك للقضاة إلا مهمة إصدار الحكم الذي يتفق مع ذلك.

ولدينا وثيقة أخرى هامة، وهي عبارة عن إهداء مرفوع للملك بطلميوس السادس وزوجه كليوبترا الثانية. ونجد في هذه الوثيقة أن أسماء القضاة قد ذكروا أولاً، ثم أعقب ذلك ذكر باقي أعضاء المحكمة بحسب أهمية كل منهم، مما لا يدع أي مجالس للشك في أن المدعي العام لم يكن رئيس المحكمة. وتحدثنا هذه الوثيقة أيضًا بأن الإهداء مقدم من القضاة الثلاثة هيراكليون ونيكوستراتوس وأريوس، الذين أدوا عملهم في خلال العام الثامن والعام التاسع من حكم بطلميوس السادس (174/173 -173/172) في مديرية بروسوبيس والمديريات الأخرى المخصصة لهم. وهذا يدل على أنم حكمة القضاة الإغريق كانت تتألف من ثلاثة قضاة وتختص بنظر قضايا منطقة تشمل عددًا معينًا من المديريات الأخرى المخصصة لهم.
وهذا يدل على أن محكمة إغريقية أخرى كانت تختص بنظر القضايا في منطقة واسعة تمتد من بانوبوليس حتى أسوان، وتؤلف جانبًا كبيرًا من منطقة طبية. وكانت كل محكمة تنتقل في أرجاء منطقتها للفصل في قضاياها، لكننا نستبعد أنها كانت تذهب إلى كل بلد وقرية لهذا الغرض. ولعل الأرجح أن المحكمة كانت لا تنعقد إلا في عواصم المديريات المختلفة والمدن الكبيرة. وهل كان تقديم هذا الإهداء بمناسبة انتهاء القضاة من عملهم، أي في نهاية المدة التي عهد إليهم بتصريف العدالة فيها؟ هذا محتمل، ولكنه لا ينهض دليلاً قاطعًا على أن مهمة القضاة كانت تحدد عادة بفترة طولها عامان.

وكانت "محكمة القضاة الإغريق" لا تنعقد في عواصم المديريات فقط بن كذلك في مدن إغريقية مستقلة مثل الإسكندرية وبطوليميس. ولا يبعد أن الغرض من انعقادها هناك كان الفصل في قضايا إغريق المديريات القريبة من تلك المدن وكذلك إغريق تلك المدن الذين لم يكونوا في عدد مواطنيها. وأما الفصل في قضايا مواطني تلك المدن، فقد كان من اختصاص محاكمها المستقلة. وفي سياق الحديث عن الإسكندرية وبطوليميس، أوردنا كل ما نعرفه عن القضاء في هاتين المدينتين. وإذا كنا نسلم بوجود "محكمة القصر" أو محكمة الملك في عهد البطالمة، فإننا لا نعرف كيفية تكوينها، ولا هل كانت للاستئناف من أحكام القضاة المصريين فقط. أم كانت أيضًا للاستئناف من أحكام المحاكم الإغريقية على اختلاف أنواها، أم هل كان لا يتمتع بحق الاستئناف إلا مواطنو المدن الإغريقية فقط. وإذا كانت لدينا ولو بعض المعلومات الطفيفة عن القضاء في الإسكندرية وبطوليميس، فإننا لا نعرف شيئًا على الإطلاق عن القضاء في نقراطيس، لكننا لا نستبعد أنه كان على غرار القضاء في هاتين المدينتين.

وليس تحديد اختصاص محاكم القضاة الإغريق بالأمر اليسير، بسبب قلة ما لدينا من المعلومات عنها. أن الذين يرون أن اختصاص المحاكم المصرية كان مدنيًا فقط يرون أن اختصاص المحاكم الإغريقية كان كذلك أيضًا، هناك إذن نقطة لا جدال فيها، وهي أن هذه المحاكم كانت تفصل في القضايا المدنية. أما موضع الجدل فهو أكان اختصاصها يشمل القضايا الجنائية أيضًا؟ نحن نميل إلى هذا الرأي، لأننا لا نجد أي دليل على وجود محاكم خاصة بالفصل في القضايا الجنائية، ولأننا نستبعد أنه كان يوجد في عصر البطالمة محاكم مدنية بحث وأخرى جنائية بحث. ويؤيد ما نذهب إليه أننا سنرى عند الكلام عن قضية هرمياس المشهورة أن المدعي قدم قضيته المدنية إلى المحكمة الإغريقية، لكنه كانت له شكوى أخرى وهي اعتداء خصومه عليه، ولذلك نراه يتوعد خصومه بأنه بمجرد استرداد حقوقه سيتقدم إلى نفس المحكمة بشكوى أخرى خاصة بهذا الاعتداء.

ويتبين من الوثائق أنه في القرن الثاني قبل الميلاد امتد اختصاص هذه المحاكم إلى القضايا التي تمس صوالح الخزانة العامة، وذلك بالرغم مما تحدثنا به الأوامر الملكية من أن مثل هذه القضايا لم تكن من اختصاص المحاكم العادية، إغريقية كانت أو مصرية، وإنما من اختصاص هيئات قضائية سيأتي ذكرها عند الكلام عن القضاء الخاص. بيد أنه عند نظر محاكم القضاة الإغريق هذا النوع من القضايا كان يرأسها أحد رجال الإدارة المالية مثل الكاتب الملكي أو الابيمليتس.

ومن أهم القضايا، التي وصلت إلينا أنباؤها ونعرف أنها عرضت على محكمة القضاة الإغريق، قضية هرمياس المشهورة ضد جماعة من المصريين كانوا يحترفون مهنة تقديم القرابين للموتى (Choachytes) في طيبة. ويمكننا تتبع الأدوار التي مرت بها هذه القضية منذ البداية حتى عام 117 ق.م. بفضل مجموعة الوثائق المحررة باللغتين المصرية والإغريقية التي وجدها بعض الأعراب في إناء من الفخار حوالي عام 1820 لكنهم لم يبيعوها جملة واحدة وإنما على دفعات لأشخاص مختلفين، ولذلك نجد هذه الوثائق موزعة بين متاحف أوربا.

وترجع بداية حوادث هذه القضية إلى بداية عهد بطلميوس الخاسم، عندما اندلع لهيب الثورة في منطقة طيبة وأرسلت الفرق الملكية إلى الحدود الجنوبية، واعتدى على الأجانب المقيمين في مدينة طيبة بل يبدو أنهم طردوا منها.

وقد كان من بين حامية طيبة شخص يدعى بطلميوس، كان قد تزوج حفيدة رجل يدعى هرمون بن هرمياس. وعندما قامت الثورة، هجر بطلميوس بيتًا وقطعة أرض كان يملكهما في طيبة عن طريق زوجته، ولم يعن بعد ذلك بسكنى هذا لمنزل الذي دمر وتهدم. ومن الحتمل أن يكون قد استقر مع زوجته في كوم أمبو، حيث نلقي فيما بعد ابنه هرمياس أحد ضباط فرسان حاميتها.

وقد مرت السنين تباعًا دون أن يهتم بطلميوس بما يملكه في طيبة، فاعتقد أقاربه أنهم يستطيعون اقتسام هذه العين، ومن ثم انتقلت ملكيتها مرات عديدة بالميراث والبيع، إلى أن بيع هذا الإرث آخر الأمر جزءًا فجزءًا إلى إحدى الأسر المصرية التي كانت تشتغل بتقديم القرابين للموتى وعندما أصبحت كل الأرض تقريبًا ملك هؤلاء المصريين، أعادوا بناء البيت وزاولوا مهنتهم فيه. وعندئذ علم هرمياس ابن بطلميوس بما حدث لإرثه فأفلح في إلغاء إحدى صفقات البيع الأخيرة، وكانت قد بيعت بمقتضاها قطعة صغيرة من الأرض إلى أحد كهنة آمون. وقد استرد هرمياس هذا الجزء من إرثه برفع قضية أمام محكمة القضاة الإغريق، وتقديم إشهاد من الكاتب الملكي يفيد بأنه بناء على المعلومات التي قدمها كاتب المركز وكاتب القرية كانت قطعة الأرض المذكورة مسجلة في سجل الأراضي "باسم هرمون ابن هرمياس جد والدة هرمياس". واكتفى هرمياس مؤقتًا باسترداد هذا الجزء من إرثه ولم يحاول عندئذ طرد المصريين من المنزل.

وفي عام 127 ق.م. أثار الموضوع من جديد أبولونيوس، أحد أقارب هرمياس، فإنه ذهب إلى المصريين المقيمين في المنزل يطالبهم بنصفه، لكنهم أوسعوه ضربًا فلم يشجعه ذلك على معاودة مطالبتهم. وبعد صمت دام عشرة أشهر، وجه شكوى إلى الملك حسب التقاليد المتبعة لتنتظرها "محكمة القضاة الإغريق الذين يفصلون في قضايا منطقة طيبة بأجمعها". ولما كانت المحكمة الإغريقية منعقدة أو على وشك الانعقاد عندئذ في مدينة بطوليميس، فإن أبولونيوس أودع شكواه في صندوق (angeion) هذه المدينة المخصص للشكاوى المقدمة إلى محكمة القضاة الإغريق. وفي الوقت نفسه توعد المصريين بأنه بمجرد الحكم له باسترداد نصيبه المذكور، فإنه سيتقدم إلى هذه المحكمة بشكوى أخرى خاصة بما ألحقوه به من الأذى والإصابات. لكنه يبدو أن الطرفين تصالحًا قبل نظر القضية، لأنه في الشهر التالي لتقديم الشكوى حرر أبولونيوس عقد تنازل للطرف الثاني (13 ديسمبر 129 ق.م)

وعندئذ عاود هرمياس بن بطلميوس نشاطه في هذا الموضوع لمدة عشر سنوات. إننا لا ندري إذا كان قد اقتنع أخيراً بحقه في ذلك الإرث الذي أضاعه نتيجة لإهماله أربعين عامًا، أم أنه كان يؤمل في أن يشاكس النصريين إلى أن ينقدوه ثمن صمته. وعلى كل حال فإنه عاد إلى طيبة وكأنه أبلغ عندئذ فقط أن حورس وبسنحونسيس (Psenchonsis) وخونوبريس (chonopres) وزوجاتهم قد وضعوا أيديهم على بيته دون وجه حق، لكن هؤلاء المصريين قالوا أنهم اشتروا البيت من شيدة تدعى لوبايس (Lobais). وبدلاً من أن بوجه هرمياس دعواه ضد الملاك الحاليين الذين كانوا يرجعون عندئذ على البائعين، وجهها ضد لوبايس التي لم تكن سوى أحد الأشخاص الذين باعوا للمشترين. وقد أودع هرمياس في الصندوق المخصص للشكاوي في مدينة طيبة شكوى لتنظرها "محكمة القضاة الإغريق المختصة في منطقة طيبة التي كان ديونيسيوس المدعي العام أمامها"، لكن المحكمة بعد دعوة الطرفين للمثول أمامها ونظر القضية قررت رفض الدعوى (مايو/ يونيو 125).

عندئذ عاد هرمياس إلى كوم امبو ولم يحرك ساكنًا حتى العام التالي ويبدو كأنه لم يقض الوقت عبثًا بل كان يبحث عن حجة جديدة يمكنه أن يتذرع بها لإخراج المصريين من المنزل، فإنه أخذ منذ ذلك الوقت يستخدم حجته الجديدة برغم ما لقيته من التنفيذ، لأن خلط أو تعمد أن يخلط بين مقدمي القرابين للموتى (choachytes) وبين محنطي جثث الموتى (paraschitai - taricheutai) ووصف المصريين الذين يملكون البيت ويزاولون عملهم فيه بأنهم يحنطون جثث الموتى، مع أن قواعد الصحة العامة كانت لا تجيز مزاولة هذا العمل ولا سكنى مزاوليه على ضفة النيل اليمنى وإنما على الضفة اليسرى. لكن هرمياس لم يقدم شكواه هذه المرة إلى محكمة القضاة الإغريق. إذ أنه عندما عاد إلى طيبة (عام 125/124) قدم مذكرة (hypomnema) إلى القائد هرمياس أملاً في أن يراعيه باعتباره ضابطًا مثله، غير أن المصريين لم يستجيبوا إلى الدعوة التي وجهت إليهم للمثول أمام القائد.

وقد فت ذلك في عضد هرمياس، فقبع ساكنًا في كوم امبو ثلاث سنوات وأخيراً جاء إلى طيبة في عام 121 وحرض القائد على مساعدته. ويبدو أن المصريين كانوا متغيبين إذ ذاك عن المنزل، فأمر القائد رئيس الشرطة بتسليمه إلى هرمياس، لكنه ما كاد يعود إلى كوم امبو حتى عاد المصريون إلى البيت وأقاموا فيه. وبينما كان هرمياس يقوم بمحاولاته العقيمة، حرر المصريون فيما بينهم عقود اقتسام وبيع أصبح حورس بمقتضاها مالك العين موضوع هذا النزاع الطويل.

وفي عام 120 ق.م. لجأ هرمياس إلى ساحة الابيستاتس (حاكم بريثيبس)، فإنه قدم مذكرة إلى الأبيستاتس هيراكليدس يشرح فيها شكواه والخطوات التي اتبعها حتى ذلك الوقت، فأرسل هيراكليدس المحضر لاستدعاء المصريين، لكنهم لم يلبوا الدعوة أملاً في أن يطول الانتظار بهرمياس فيرحل عن طيبة كما فعل قبل ذلك، أو لعلهم كانوا يعلمون أن هيراكليدس لن يبقى طويلاً في منصبه مما يؤدي إلى إسدال ستار النسيان على الموضوع. وفعلاً خلفه شخص يدعى بطلميوس قدم إله هرمياس شكوى جديدة، فأولى الموضوع عنايته وعقد في 26 يونية 119 محكمته، وكانت تتألف منه بوصفه رئيسًا ومن بطلميوس بن أجاخوس وأيريانيوس بن أيرينايوس وأمونيوس وسيسواوسيس (Sesoosis) وغيرهم أعضاء. وافتتح بطلميوس الجلسة التي وصل إلينا محضر بما دار فيها، ولم يتخلف المصريون هذه المرة عن الحضور بل حضر حورس وشركاؤه ومعهم محاميهم دينون. ولم يجد هرمياس داعيًأ للكلام فقد قرئت في الجلسة المذكرة التي قدمها وظهرت صورتها في المحضر وفحواها أن حورس وبسنخونسيس وباناس وزوجاتهم انتهزوا فرصة الظروف السيئة التي اضطرته إلى نقل مقره من طيبة إلى مكان آخر، واقتحموا عنة بيت أجداده واستغلوه كما يشاءون، وإن كل المجهودات التي بذلها ذهبت هباء منثورًا، وإن الوقت قد حان عندئذ لطرد هؤلاء الدخلاء الذين أجترأوا على وضع جثث الموتى في البيت المغتصب.

ولم يجد محامي المصريين عناء في تفنيد مزاعم هرمياس الباطلة، فإنه سأل هرمياس إذا كان في وسعه أن يثبت أنه ورث البيت المذكور عن أجداده، لكنه عجز عن تقديم أي دليل. وعندئذ قرأ المحامي العقود الصحيحة التي لدى موكليه، وأبان أنه بالإضافة إلى ذلك فإن أحد قرارات العفو يسمح لهم بامتلاك البيت امتلاكًا قانونيًا بحق وضع اليد عليه مدة طويلة، حتى إذا لم تكن لديهم عقود ملكية. وأخيرًا طلب المحامي إلى المدعي أن يثبت بأية طريقة يشاء أن أيا كان من أبويه أو هو نفسه قد سكن مدينة طيبة على الإطلاق أو أن هذا البيت كان ملكًا لأسرته، وأردف ذلك بقوله أنه يتضح دون أي بحث أن الدعي لم يتقدم إلا بشكوى كيدية ملفقة وإزاء ذلك أصدر الابيستاتس بطلميوس حكمًا يضع حد لادعاءات هرمياس ويؤيد حق حورس في امتلاك البيت موضوع النزاع.

وعلى الرغم من ذلك فإن هرمياس لم ييأس من دعواه، لكنه لجأ هذه المرة إلى أحد كبار الموظفين وهو د حاكم عام (ابيستراتيجوس) منطقة طيبة بأجمعها، فإنه انتهز فرصة مرور د بمدينة طيبة في فبراير/ مارس 117 وقدم إليه التماسًا بسط فيه موضوعه. ويحدثنا هرمياس بأن ديمتريوس استدعى المصريين لكنهم لم يلبوا الدعوة كعادتهم. ولما لم يكن لدى د متسع من الوقت فإنه أعاد إلى هرمياس التماسه، الذي قدمه من جديد في الشهر التالي إلى القائد هرمياس الذي كان موجودًا عندئذ في لاتونبوليس (Latonpolis). ويبدو أن هذا القائد طلب إلى الأبستاتس بطلميوس أن يرسل إليه خصوم هرمياس لكنه لم يفعل ذلك. وبعد ذلك بثلاثة أشهر، كان الابيستراتيجوس د والقائد هرمياس موجودين سويًا في طيبة، فانتهز صديقنا المتعب هرمياس هذه الفرصة وقدم ثانية إلى القائد المذكرة أو صورة المذكرة التي كان قد قدمها إليه من قبل في لاتونبوليس، فأمر القائد أو زعم أنه أمر المصريين بالحضور ولكنهم أصموا آذانهم عن ذلك، ولم يبث القائد أن برح طيبة.

ومع ذلك بقى هرمياس يتعلق بأهداب الأمل، فإنه ما كاد يعرف أن الأبيستانس بطلميوس، الذي كان قد أصدر حكمًا ضده، قد خلفه شخص آخر يدعى هيراكليدس، حتى تقدم بمذكرة جديدة للقائد هرمياس يشرح فيها كل خطوات قضيته خلال السنين العشر الماضية فيما عدا بطبيعة الحال الحكم الذي صدر ضده، ويبين عناد المصريين ويطلب تحويلها إلى محكمة الابيستاتس هيراكليدس، فحولت المذكرة في 10 نوفمبر 117 إلى هيراكليدس ابيستاتس بريثيبس والمشرف على دخلها.

وأمام محكمة يرأسها هذا الموظف وتتكون من عضوية بولمن وشخص تأخر يدعى أيضًا هيراكليدس وأبولونيوس وهرموجنس وبانكراتوس وبانيسكوس وكثيرين غيرهم، نظرت القضية وترافع فيلوكلس عن هرمياس ودينون عن موكليه المصريين. ونعرف كل ما تناوله نظر القضية من المناقشات والوثائق والحجج القانونية من الملخص الذي قدمه رئيس المحكمة للمحلفين وكان أساس حيثيات الحكم.

لم يكن لدى هرمياس ما يثبت ملكية البيت الذي ادعى أنه ورثه عن أبيه، على حين أن خصومه قدموا ترجمة إغريقية لعقود بيع مصرية ترجع إلى تاريخ سابق على بداية القضية، وتثبت أن آباء المدعي عليهم كانوا قد اشتروا جزءًا فجزءًا ذلك البيت الذي كان هرمياس يطالب بملكيته. وإزاء ذلك لم يجد محامي هرمياس أية حجة يدلى بها في صالح موكله سوى الطعن في صحة هذه العقود، بحجة أنها لاغية في نظر القانون المصري لأنها خالية من القسم، ولاغية في نظر القانون الإغريقي لأنها غير مسجلة، وزعم أن خصوم موكله يشتغلون بالتحنيط، والقواعد العامة للصحة كانت تقتضي عدم مزاولة هذا العمل الكريه بالقرب من الأماكن المقدسة، ولذلك فإنه كان يتعذر عليهم امتلاك بيت هرمياس بالشراء أو بوضع اليد مدة طويلة.

وقد ورد ديونو ردًا مفحمًا، بين أنه منذ هجر والد هرمياس طيبة في بداية عهد بطلميوس الخامس ليستقر في أقاصي مصر العليا، أي منذ 88 عامًا، لم يسكن هو ولا ابنه هرمياس المنزل موضوع القضية، وأن هذه العين كانت في أيدي ملاك آخرين واشتراها منهم المصريون في عام 143/142. أي 37 عامًا قبل رفع القضية، تمتعوا في خلالها بملكية هذا البيت طوال هذه المدة تكسبهم ملكيته. ومع ذلك فإن هذه العقود صحيحة، لأنهم دفعوا ضريبة انتقال الملكية لملتزم جباية ضريبة المبيعات. وبالإضافة إلى كل ذلك فإن أحد قرارات العفو أيد حقوق المُلاك الذين ليست ليست لديهم وثائق تثبت ملكية ما لديهم، واعفاهم من تقديم أدلة كتابية على حقوق ملكيتهم. وإذا كان هرمياس وريثًا فإنه كان يتحتم عليه تسجيل إرثه ودفع الضريبة عن ذلك، وإلا فإنه تفرض عليه ضريبة قدرها 10.000 دراخمة ويفقد حقه في الإرث. وبعد ن ظر القضية أصدر الابيستاتس هيراكليدس في 11 ديسمبر سنة 117 حكمًا يؤيد حكم سلفه بطلميوس، فإنه قضى بأن يكف هرمياس عن مشاغبته وبأن يستمر حورس في الاحتفاظ بملكه. وكان ذلك فصل الختام.

لقد عرضت هذه القضية على ثلاث جهات مختلفة: الأولى محكمة القضاة الإغريق التي تقدم إليها هرمياس بادئ ذي بدء فقضت له بملكية قطعة أرض صغيرة، ثم تقدم إليها أبولونيوس أحد أقارب هرمياس مطالبًا بملكية نصف البيت لكنه تصالح مع المدعي عليهم ولم تفصل المحكمة في الموضوع، ثم تقدم هرمياس إلى المحكمة الإغريقية بشكوى ضد لوبايس التي قال المصريون أنها باعت لهم البيت، وقررت المحكمة رفض الدعوى. أما الجهة الثانية فهي الموظفون الإداريون، فإن هرمياس قدم التماسين إلى سمية القائد هرمياس الذي أفلح مرة في تسليمه البيت، كما أنه شكا أيضًا إلى الابيستراتيجوس مرتين، بيد أنه يلاحظ أنه لا القائد ولا رئيسه الابيسترتيجوس أصدر حكمًا في القضية، وهذا يدل على أنه لم تكن لا يهما سلطة الحكم فيها. أما الجهة الثالثة فهي محكمة الابيستاتس التي أصدرت في القضية حكمين ضد هرمياس .

كسف نفسر إذن التجاء هرمياس إلى هذه الجهات الثلاث؟ وما هي محكمة الابيستاتس؟ يبدو لنا أن محكمة القضاة الإغريق، ومحكمة الابيستاتس كانتا جهة الاختصاص التي تستطيع الفصل في القضية. ولعل منشأ محكمة الابيستاتس في القرن الثاني يرجع إلى كثرة المنازعات التي ترتبت على ما عانته البلاد من اضطرابات شديدة في خلال هذا القرن مما اقتضى إنشاء هيئة تساعد محكمة القضاة الإغريق المتنقلة وتفصل في القضايا التي تنشأ بين فترات انعقادها، بدلاً من تراكم القضايا أو اضطرار المتقاضين إلى تجشم متاعب ومصاريف الانتقال إلى الإسكندرية، على نحو ما كان يحدث في القرن الثالث. لكن محكمة ابيستاتس بريثيبس هي محكمة الابيستاتس الوحيدة التي أتانا خبرها.
فهل سبب ذلك الصدفة وحدها؟ أم أنه كان لهذه المديرية وضع خاص لأنه كانت توجد فيها العاصمة القديمة طيبة التي كانت أكبر مركز للثورات القومية؟ لعل الاحتمال الأول هو الأرجح لأن محكمة الابيستاتس لم تحل محل محاكم القضاة الإغريق أو محاكمة القضاة المصريين. ولا نعرف أنه كان لمحكمة الابيستاتس اختصاص لم يكن لغيرها من المحاكم الأخرى. وعلى كل حال فإن إنشاء محكمة الابيستاتس ينهض دليلاً على ازدياد اختصاص رجال الإدارة القضائي بمرور الزمن في عهد البطالمة، لأن الابيتستاتس هنا كان حاكم مديرية بريثيبس ونائبًا عن القائد الذي كان على رأس منطقة إدارية تدخل هذه المديرية في نطاقها. لكن كيف كان يسمح بنظر قضية أمام محكمة الابستاتس بعد نظرها أمام محكمة القضاة الإغريق، وكيف كان يسمح بنظر قضية واحدة أمام محكمة الابيستاتس مرتين؟ إن محكمة الابستاتس لم تكن محكمة استئناف، فقد عرضت على محكمة الابستاتس هيراكليدس قضية مدنية ليس فيها ما يدل على أنها عرضت قبل ذلك على محكمة القضاة الإغريق. وهذه القضية بين شخصين مصريين، لكن موضوع النزاع بينهما عقد إغريقي، ولذلك كان يتعين الفصل في القضية طبقًا لأحكام القانون الإغريقي ومن ثم لم تعرض على محكمة القضاة المصريين. وإذا فرضنا جدلاً أنه كان يمكن الاستئناف من أحكام المحاكم الإغريقية إلى محكمة الابستاتس، فإن هذا لا يفسر عرض القضيةنفسها على هذه المحكمة الأخيرة مرتين.

ويرى بوشيه لكلرك أن ما حدث في قضية هرمياس يدل على أن منطقة طيبة كانت منطقة محكومة حكمًا عسكريًا، ولذلك فإن اختصاص محكمة القضاة الإغريق كان مقصورًا على بيان أحكام القانون؛ أما الأحكام الواجبة التنفيذ، فإنها كانت من اختصاص محكمة الابيستاتس. وهذا رأي غير مقبول، لأن محكمة القضاة الإغريق أصدرت في قضية هرمياس ذاتها في أولى مراحلها حكمًا نفذ فعلاً واسترد هرمياس بموجبه جانبًا من إرثه. ومن الغريب أن هذا المؤرخ نفسه يقول في موضع آخر من الايستاتس بطلميوس لم يضع حدًا لدعاوي هرمياس، وعلى كل حال فقد رأينا أن حكم محكمة الابيتاتس هيراكليدس كان ختام هذه القضية.

يبدو لنا أن هرمياس اتبع أول الأمر الطريق العادي، فقد لجأ إلى محكمة القضاة الإغريق أملاً في أن ترد إليه حقوقه، فلما خاب هذا الأمل حاول أن يستغل جنسيته ونفوذ الموظفين الإداريين. ولما لم يجده ذلك نفعًا، انتظر فترة عدم انعقاد محكمة القضاة الإغريق وتقدم إلى محكمة الابستاتس لا ليستأنف الحكم الصادر من محكمة القضاة الإغريق وإنما ليقيم دعوى جديدة ضد مدعي عليهم جدد، فإن دعواه الأولى كانت ضد تولايس التي قال المصريون أنها باعت البيت لهم، أما الدعوى الجديدة، فإنها كانت ضد المصريين أنفسهم. وعندما صدر الحكم ضده من محكمة الابيستاتس بطلميوس، لجأ دون جدوى إلى الموظفين الإداريين مرة أخرى. وما كاد يعلم أنه قد خلف الابيستاتس بطلميوس في منصبه الابيستاتس هيراكليدس ـ الذي يبدو أنه كان الشخص نفسه الذي كان قد تقدم إليه بشكواه في عام 120 ولم يأبه به المدعي عليهم عندما استدعاهم للحضور أمامه ـ حتى لجأ إليه هرمياس ثانية مؤملاً أن هيراكليدس سنتصر له من المصريين الذين أزدروه. لكن أكان يكفي إثارة ضغينة رئيس محكمة لإعادة النظر في قضية سبق الحكم فيها؟ أننا نستبعد ذلك، ومن ثم فإنه يجب البحث عن تفسير آخر.

لقد كان الحكم الصادر من محاكم القضاة المصريين في قضية مدنية لا يعتبر فاصلاً في الدعوى (res judicata)، إلا إذا صحبه عقد تنازل عن الدعوى. ويبدو أن القانون الإغريقي قد تأثر بهذا المبدأ، وأن الإغريق استغلوا هذا المبدأ أسوأ استغلال، مما حدا بأحد البطالمة في أواخر القرن الثاني إلى إصدار أمر يقضي بفرض غرامة كبيرة على من تفصل في أمره محكمة ملكية ويعرض الموضوع نفسه أمام حكمة أخرى. ويتبين من نص الأمر أن المقصود بالمحكمة الملكية المحكمة التي كان الملك يرأسها. وإذا كان الناس لا يتوزعون عن أن يشيروا من جديد القضايا التي كان الملك يفصل فيها، فلابد من أنهم كانوا لا ينفكون يشيرون مراراً القضايا التي كان يفصل فيها قضاة آخرون. ولما كان الأمر سالف الذكر خاصًا بالقضايا التي كانت تفصل فيها محكمة الملك، فلابد من أنه لم يمس تكرار عرض القضايا نفسها على المحاكم "الملكية" الأخرى ـ محاكم القضاة المصريين ومحاكم القضاة الإغريق. وفضلاً عن ذلك فإنه لا يوجد ما يستدل منه على أن هذا الأمر الملكي كان سابقًا على نظر قضية هرمياس، بل أن القرائن لتوحي بأن العكس هو الصحيح. وعلى كل حال فإن هذا الأمر الملكي المتأخر خير شاهد على تفشي عادة تكرار عرض القضايا نفسها على المحاكم البطلمية، وفي ضوء ذلك نستطيع أن نفسر تفسيرًا شافيًا عرض قضية هرمياس على محكمة القضاة الإغريق ثم على محكمة الابيستاتس، وكذلك عرضها على محكمة الابيستاتس هيراكليدس بعد عرضها على محكمة الابستاتس بطلميوس

القضاء الخاص[/align]

ويمكن تقسيم القضاء الخاص قسمين رئيسيين: أحدهما وتناول الشكاوى التي لها صبعة إدارية أو تمس موظفي الإدارة وعمال المالية، والقضايا التي تتأثر هاب موارد الملك. والقضايا المدنية والجنائية التي تمس أشخاصًا يخدمون هذه الموارد، مثل زراع الملك وعمال الصناعات التي تحتكرها الحكومة. أما القسم الآخر، فإنه يتناول القضايا التي كانت تخص رجال الجيش. ومن اليسير أن نتبين الأسباب التي حدت بالبطالمة إلى أن يخرجوا من اختصاص القضاء العادي، المصري والإغريقي، القضايا التي كانت لها صيغة اقتصادية أو تتأثر بها الحياة الاقتصادية بأي شكل كان. لقد عرفنا أنه إذا لم يكن نظام البطالمة المالي في مجموعة أمرًا مستحدثًا في مصر، فإن تفاصيل تنظيم موارد الدولة والوسائل التي اتبعت في نظام الالتزام والاحتكارات كانت مليئة بالكثير مما استحدثه البطالمة، ولذلك كان لابد من أن يكون القضاة الذين يفصلون في هذه النظم الجديدة معدين إعدادًا خاصًا لهذا الغرض. ولما كان تنفيذ الأوامر المالية يمس صميم مصالح الدولة، فقد كان طبيعيًا في نظر البطالمة أن يعهدوا بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ هذه الأوامر أو عن مخالفتها إلى قضاة أكثر حرصًا وصرامة وسرعة واستعداد من القضاة العادية. وإزاء كل ذلك، كان البطالمة يعهدون إلى الموظفين المشرفين على دخل الدولة بالفصل في القضايا التي كان لها طابع اقتصادي. ويبدو أن أولئك القضاة كانوا يضعون نصب أعينهم مصالح الخزانة قبل كل شيء آخر. ولما كان الملك يسيطر على الحياة الاقتصادية، فإن الكثير من الأعمال التي كانت تعتبر عادية في كل نظام اقتصادي حر كانت تعتبر في كنف نظام البطالمة مخالفات تستحق العقاب، ومن ثم كثرت القضايا التي كانت تمس مصالح الخزانة، مما حدا والبطالمة إلى العمل على تخفيف العبء عن المحاكم العادية بإنشاء القضاء الخاص. ولعل البطالمة قد أرادوا أيضًا بإنشاء القضاء الخاص إعطاء أهمية خاصة للشئون الاقتصادية، وبيان ما كان لمصالحهم من صفة ممتازة.

ولنبدأ أولاً بالشكاوى التي كانت لها صبغة إدارية أو تمس موظفي الإدارة وعمال المالية. لقد كان الملك وكبار موظفيه هم الذين يقضون في شئون مرءوسيهم، وليس أدل على ذلك من أن بطلميوس الخامس أمر بأن يقدم إلى محكمته الموظفون الذين يسجنون الأهالي بسبب منازعات مفتعلة أو يستخدمون وسائل التعذيب، وكان وزير المالية يفصل مباشرة أو يعهد إلى مساعديه (hypodioiketai) بالفصل في الأخطاء التي يرتكبها الأويكونوموي أو النورماكي أو جامعو الضرائب، ولذلك كانت ترسل إلى وزير المالية الشكاوى المقدمة ممن يسيء إليهم مرءوسوه. فنرى وزيرًا للمالية يفرض غرامة على كاتب قرية في منتصف القرن الثاني، ونجد مساعد وزير المالية يفصل في الشكاوى المقدمة بسبب تصرفات مرءوسيه وخاصة الأويكونوموس والنومارك.

وفي 11 من إبريل سنة 114 ق.م. أمر بطلميوس التاسع سوتبر الثاني بأن كافة الاتهامات التي توجه للموظفين الخاضعين للإدارة المالية المركزية يجب ألا تعرض على أي هيئة قضائية عادية، ولا على أي موظفين آخرين بل يجب إرسالها إلى وزير المالية. وجدير بالملاحظة أن بطلميوس التاسع لم يستحدث هذه القاعدة، فإنها موجودة منذ القرن الثالث. لكنه يبدو أنها كانت لا تراعى في خلال اضطرابات القرن الثاني وضعف السلطة المركزية، مما حدا بهذا الملك إلى استصدار قرار جديد لضمان العمل بها. ولعله لم يقصد بذلك أن يفصل وزير المالية بنفسه في كل الشكاوى التي كانت تقدم إليه ضد مرءوسيه في طول البلاد وعرضها، بل أن الجهة الوحيدة المختصة بالفصل في هذه الشكاوى هي الإدارة المالية. ولما كان يتعذر على وزير المالية ومساعديه الفصل في كل هذه الشكاوى، فيبدو أنه كان مقررًا أن رئيس كل جماعة من موظفي الإدارة المالية كان يفصل، بالنيابة عن وزير المالية، في الشكاوى المقدمة ضد مرءوسيهم. وفضلاً عن ذلك فإنه لكي يسود الوئام بين مزارعي الملك وتطمئن نفوسهم كان يتعين على الأويكونوموس تسوية المشاكل التي قد يثيرها أولئك الزراع ضد عمدة القرية وكاتبها في مسائل تتصل بالزراعة، كلنه ليس مؤكدًا ـ وإن كان غير مستبعد ـ إن هذه المهمة كانت تنطوي على اختصاص قضائي رسمي. ومنذ القرن الثالث كان للقائد اختصاص قضائي تأديبي على مرءوسيه، وقد اتسع هذا الاختصاص في القرن الثاني عندما أسندت إليه أيضًا مهام الإشراف على دخل الدولة.

ويبدو أنه كان يتبع أحد إجراءين في أمر الشكاوى من تصرفات الموظفين أو الجرائم التي كانوا يرتكبونها، ففي بعض الحالات كان يفصل في الأمر محكمة خاصة مؤلفة من بعض الموظفين وبعض القضاة. ومثل ذلك ا،ه عندما تقدم خمسة من زراع الملك في قرية سوكنوبايونيسوس يتهمون عمدة قريتهم باتبتزاز الأموال، عرضت القضية على محكمة تتألف من الابيميليتس زوبيروس والكاتب اللكي بتياربسنسيس (Petearpsenesis) وبعض القضاة الإغريق. وعندما تهم منخس كاتب قرية كركيوسيريس وأخوه بولمون وغيرهما بدس السم لشخص يدعى هراووتس، قدم المتهمون لمحكمة مكونة من ابستاتس المديرية والكاتب الملكي وغيرهما وقضت المحكمة بتبأة المتهمين. لكنه يروح أنه في أغلب الحالات كان رئيس الموظف يفصل في الأمر دون تشكيل محكمة، ومثل ذلك أن شخصًا يدعى هرمياس قدم شكوى إلى أيسيدوروس ابيستاتس قريته ليلقى القبض على شخص آخر يدين له بكمية من الحبوب، وعندما حاول الابيستاتس مصالحة الطرفين قدمت زوجة المدعي عليه شكوى ضد هذا الموظف. ولذلك التمس ايسيدوروس من القائد أن يستدعى الطرفين ويفصل في المسألتين، أي في الشكوى الخاصة بالدين والشكوى المقدمة ضده.
وعندما قدم كهنة أمينوفيس إلى فوموس (Phomous)، الحاكم العام بمنطقة طيبة، شكوى من المطالب الجديدة التي كان يتهددهم بها أبسيدوروس، أويكونوموس الضرائب النقدية، نراهم يستخدمون الصيغة المتبعة في مثل هذه الأحوال ويطلبون إلى الحاكم أن يكتب بخصوص هذا الموضوع لمن بيده الأمر. وفي شهر يولية سنة 111 ق.م. كتب الحاكم العام إلى هرموكلس (Hermocles)، رئيس الإدارة المالية المحلية، لكي لا يسمح بإدخال أية تعديلات جديدة ويبقى الضرائب على ما كانت عليه.

وقد شكا بعض مربي الأوز من أن الأويكنوموس زاد قيمة الضرائب المفروضة عليهم لفائدته الخاصة، وطلبوا إلى أويكنوموس آخر أن يرفع ملظمتهم إلى إدارة مراجعة الحسابات، وعندما أساء أحد المتعهدين إلى عمال المحاجر قدموا شكواهم إلى الرئيس المختصين وهو المهندس كليون، الذي يبدو أنه أحالها إلى وزير المالية وأبلغه بما تبع ذلك من إضراب 140 عامل عن العمل.

وعندما كان اثنان من رجال الإدارة المالية المركزية يقومان برحلة تفتيشية، لاحظا أن بعض كتاب القرى يضعون العراقيل في سبيلها بدلاً من مساعدتهما في أداء عملهما، فطلبا إلى القائد بطلميوس أن يسجن بعضهم ليكون ذلك عبرة لغيرهم.

وفي أواخر عهد بطلميوس الثامن نزل فارس يدعى بترون إلى فارس آخر "مقدوني" يدعى ديديمارخوس عن إقطاع بالقرب من كركيوسيريس، لكنه تبين أن انتقال الملكية لم يثبت في السجلات الرسمية وأن بترون بقى معتبرًا صاحب الإقطاع. ولذلك تقدم ديديمارخوس بشكوى إلى الموظفين المسئولين عن توزيع الإقطاعات، وبعد ما تبين لهما صحة ما ورد فيها أحالا صورة منها في 25 إبريل سنة 116 إلى الكاتب الملكي أبولونيوس ليضع الأمور في نصابها. لكن أبولونيوس تمهل طويلاً حتى أن مكتبه لم يعد مذكرة بإثبات صحة تنازل بترون عن إقطاعه إلا في 11 فبراير سنة 115. وبعد ذلك بثلاثة أيام، أرسل أبولونيوس خطابًا، ومعه نسخة من الشكوى والمذكرة، إلى الحاكم الإداري للمركز الذي حول هذه الرسائل جميعًا إلى كاتب المركز. وفي يوم 15 فبراير سنة 115 أبلغ هذا الموظف الموضوع إلى منخس كاتب قرية كركيوسيريس ليقوم بالتصحيحات اللازمة.

وكان رجال الدين، بسبب مالهم من المكانة السامية الجديرة باهتمام الملك وعنايته ولا سيما في عصر البطالمة المتأخرين، ويجأرون بالشكوى للملك من جور موظفيه. ومثل ذلك كهنة إيزيس في فيلة الذين أضنتهم مطالب الحاميات والموظفين المتنقلين فشمكوا من ذلك إلى بطلميوس الثامن، الذي لم يكتف بأن يأمر حاكم عام منطقة طيبة بوضع حد لهذا العبث لم أرسل نسخة من أمره إلى الشاكين، وسمح لهم بحفر نصه على نصب إثباتًا لما يتمتعون به من الامتيازات في هذا الصدد وضمانًا لهم من هذا العبث على الدوام. ويبدو أن الشيء نفسه حدث أيضًا مع كهنة خنوبو نبيب (Chnoubo Nebieb) إذ أنهم حفروا على مسلة أسوان الامتيازات التي منحها لهم بطلميوس الثامن والتاسع. ولما كان الكهنة يميلون على الدوام إلى الخلط بينمصالحهم ومصالح الديانة، فإنهم كانوا يذكرون الموظفين في بعض الأحيان بنعماء الآلهة عليهم ويدعونهم لإثبات اعترافهم بحسن صنيع الآلهة. ولذلك نجد كهنة سوكنوبايونيسوس يشفعون طلبهم إلى القائد من أجل أن يعيد إليهم 225 أردب من العلف، بتذكيره بأنه قد شفى من مرضه بفضل الإله الأكبر سوكنوبايس والآلهة إيزيس نفورسيس (Nephorses). وقد طلب الكاهن بتيسيس إلى المك بطلميوس اسكندر وزوجة برينيكي أن يحيمياه مما يلقاه من مضايقات الموظفين التي بلغت حدًا لم يعد معه آمنًا في بيته، بإرسال أمر يستطيع إثبات نصه في منزله والاحتماء بما ورد فيه. ولم يفت بتيسيس أن ذكر في التماسه ما يقوم به من الدعاء وتقديم القرابين من أجل "صحة وانتصار وعظمة وقوة وسيطرة" الزوجين الملكيين. وقد بادر الملك باستجابة التماس الكاهن وإصدار أمر إلى كافة الموظفين بأن يتركوه في أمن وسلام.

ولعل أنجع وسيلة لدرء شر الموظفين بل للنجاة من طائلة القانون كانت كسب ود أولئك الموظفين الذين كان لنوذهم قوة سحرية. ولاشك في أن ذوي النفوذ كانوا لا يكلؤون أحدًا برعايتهم إكرامًا لوجه الله ذي الجلال ولا إنصافًا للإنسانية المعذبة وإنما لقاء ما كانوا يتقاضونه من التاعسين المستجبرين بهم، فإننا نعرف مثلاً أن منخس كاتب قرية كركيوسيريس لم يفز بإطالة مدة توليه منصبه إلا بفضل رشوة رءوسائه. وتحدثنا إحدى الوثائق بأن شخصًأ يدعى بتيوريس وعد بأن يقدم لشخص آخر هدية قدرها 15 تالنت من العملة البرونزية إذا أدلى له خدمة معينة لا نعرف ماهيتها. ونجد ملتزمًا للضرائب المفروضة على الجعة وملح البارود في كوكيوسيريس يطلب إلى الكاتب الملكي أني ضعه تحت حمايته، وأن يبلغ رجال السلطة المحلية في القرية (الأبيستاتس ورئيس الشرطة وكاتب القرية وشيوخها) لكي يقوم بمهامه العادية دون أن يعرقل أعماله أو يمسه أحد بسوء فاستجاب الكاتب الملكي إلى طلبه ووقع على التماسه بما يفيد ذلك.

وعندما سجن شخص يدعى حورس بسبب ما عليه من الديون، طلب فيلوكسنوس، الذي يبدو أنه كان موظفًا كبيرًا، فك أسر خورس لأنه كان في حمى شخص يدعى د لعله كان موظفًا كبيرًا آخر.

وتعطينا قصة توأمتي سيرابيوم منف صورة طريفة عن جانب من الحياة المصرية في القرن الثاني قبل الميلاد وعن الفصل في مظلمة ذات صبغة إدارية، بالالتجاء إلى طائفة من الموظفين تشمل الابيميليتس ومراجع الحسابات والأبيستاتس وقائد منف ومساعد وزير المالية بل الملك بطلميوس السادس وكليوبترة الثانية، وذلك لإرغام رجل الإدارة المالية والمشرفين على إدارة السيرابيوم على إعطاء هاتين الكاهنتين ما كانتا تستحقانه من المؤنة.

لجأت الفتاتان المصريتان ثاويس (Thaues) وتاوس (Taus) إلى معبد السيرابيوم بمنف عندما هربت أمهما مع جندي إغريقي وهرب أبوهما إلى هيراكليبوليس. وقد أصبحت الفتاتان كاهنتين في هذا المعبد، ووضعهما تحت رعايته رجل يدعى بطلميوس، كان صديقًا لأبيهما وناسكًا يتعبد في ذلك المعبد. وقد منح الملك هاتين الفتاتين باعتبارهما كاهنتين مرتباً معينًا من الزيت والخبز. ووفقًا للنظام المتبع، كان الزيت يعطي للكهنة والكاهنات مباشرة من المخزن الملكي، أما الخبز فكان يسلم إلى إدارة المعبد لتقوم بتوزيعه. وعندما لم تحصل الكاهنتان على مرتبهما بسبب للاعب الموظفين المسئولين أو إهمالهم، بدأ سيل الشكاوى والالتماسات التي كان بطلميوس يقدمها إلى رجال الإدارة المالية والملك والملكة بأسميهما أو باسمه نيابة عنهما.

وفي عام 164/163 قدمت الشكوى الأولى إلى سارابيون مساعد وزير المالية لإعطاء الكاهنتين متريتس الزيت الذي كانتا تستحقانه عن ذلك العام مثل غيرهما من توأمتي ذلك المعبد، لأنهما لميتحصلا على مرتب عملهما منذ بداية العام الثامن عشر من حكم بطلميوس السادس (3أكتوبر سنة 164). ولما لم يكن لهذه الشكوى أثر، فقد رفعتا إلى الملك والملكة شكوى حارة تعدد المساوئ زوجة أبيهما التي استولت على إرثهما مما اضطرهما الالتجاء إلى السيرابيوم. وكان لهذه السيدة ابن يدعى بانخراتس (Panchrates) استأجراه لخدمتهما، لكنه سرق منهما الإذن الذي أعطته لهما الخزانة الملكية لتحصلا بمقتضاه على متريتس من الزيت كل عام. وقد حولت الشكوى إلى القائد ديونيسيوس الذي أرسلها إلى الابيميليتس منيدس (Mennides) ومراجع الحسابات دوريون، ثم قدمت إلى سارابيون في 8 سبتمبر سنة 163 عندما جاء للتعبد في السيرابيوم. فأمر منديس يبحث الموضوع لكن هذا الموظف نصح بطلميوس بتقديم شكوى جديدة إلى ساربيون. وبناءً على ذلك التمس بطلميوس من ساربيون أن يأمر منيدس بوضع الأمور في نصابها، لكنه لم يكن لهذا الالتماس أية نتيجة. وعندما زار الملك السيرابيوم، انتهز بطلميوس هذه الفرصة وقدم للملك نفسه شكوى جديدة على نمط الشكوى القديمة، فأمر الملك وزير المالية اسكلبيادس ببحث الموضوع، فحولها إلى ساربيون الذي طلب من دوريون تقديم تقرير عن الموضوع. وقد أرسل دوريون تقريرًا إلى اسكلبيارس بتاريخ 5 أكتوبر سنة 162 يبين استحقاق الكاهنتين في الحصول على ما تأخر لهما عن العامين الماضيين، ولكن أولى الأمر تمهلوا ولم يقدموا للكاهنتين سوى وعود معسولة. وعندما نفد صبر الكاهنتين، رفعتا شكوى ثالثة للإلهين فيلومتورس، يستحلفانهما بتحويلها للقائد ديونيسيوس ليأمر الأبيميليتس المساعد أيولونيوس بإعداد بيان المقادير المستحقة لهما وبتواريخهما وبالأشخاص المسئولين عن ذلك وبإرغامهم على تسليمها لهما. وفي الوقت نفسه قدم بطلميوس مذكرة لساربيون (1نوفمبر سنة 162) ملتمسًا منه تنفيذ ما ورد في تقرير دوريون، فأرسلت المذكرة إلى منيدس والكتاب (4ديسمبر سنة 162) للتنفيذ بعد عمل التحريات اللازمة. وبناء على التقرير المستفيض الذي رفع إلى منيدس في 14 ديسمبر، أمر هذا الابيميليتس أمين الخزانة ثيون ليعد الأمر اللازم لصرف الزيت المستحق للكاهنتين عن العامين الثامن عشر والتاسع عشر. وقد أرسل ثيون الأمر إلى د المشرف على المخزن الملكي، الذي سلم في 26 ديسمبر كمية الزيت المصرح بها لمندوب دوريون مراجع الحسابات في حضور أريوس الموفد من قبل الكاهنتين. وقد قدم بطلميوس إيصالاً بالاستلام بالنيابة عن الكاهنتين.

ومع ذلك لم ينته الأشكال، لأن بطلميوس أراد أن يستبدل بكمية زيت الخروع التي صرفت ما يعادل نصفها من زيت السمسم، لكن مرءوسي دوريون أبوا عليه ذلك، فقدم إلى منيدس شكوى مرة من أولئك الكتبة الذين اجترأوا على عدم احترام ما أمر به الأبيميليتس والملك والملكة. وإذا فرضنا أن بطلميوس قد نجح في هذا المسعى فإنه كان لهذا الأشكال ناحية أخرى، إذ أن هاتين الكاهنتين لم تحرما مرتب الزيت فحسب بل كذلك جانبًا من مرتب الخبز، لأنه كان يتعين على معبدي السيرابيوم واسكلبيوس أن يعطيا لكل من الكاهنتين أربعة أرغفة يوميًا، أي ما يعادل ثمانية أرادب كل شهر. ولذلك فإن بطلميوس قدم طلبًا يبين فيه أن الكاهنتين تسلمتا مقطوعية الخبز المخصصة لهما عن المدة من 3 أكتوبر سنة 164 إلى 8 مارس سنة 163، لكنهما لم تأخذا شيئًا عن باقي العام الثامن عشر من حكم بطلميوس السادس. وفي العام التاسع عشر تسلمتا مقطوعية الخبز كاملة عن المدة من 3 أكتوبر سنة 163 إلى 31 مارس سنة 162، لكنهما أعطيتا نصف المقطوعية فقط عن المدة من أول إبريل إلى 29 يونية، وربع المقطوعية عن الشهر التالي، ونصفها عن الشهرين الأخيرين، ولم يحصلا على شيء عن مدة خمسة أيام النسيئ. وفي العام العشرين أعطيتا ثلاثة أرباع المقطوعية أي ستة أرغفة بدلاً من ثمانية يوميًا، وذلك عن المدة من 3أكتوبر سنة 162 إلى 10 يناير سنة 161، ولم يحصلا على شيء منذ 11 يناير إلى وقت تقديم الشكوى.

وقد زاد الطين بلة أن الكاهنتين حرمتا ثانية من الزيت، ولكن كل ذلك لم يفت في عضد راعيهما بطلميوس، الذي جدد مساعيه وحرص فيها على ألا يخلط بين استحقاق الكاهنتين في الزيت وفي الخبز، لأن المسئولين عن الموضوع الأول كانوا عمال المالية وعن الثاني المشرفين على معبدي السيرابيوم واسكلبيوس. وبعد أقل من شهر من تصفية مسألة الزيت القديمة، كتب بطلميوس إلى سارابيون لإبلاغه بأن الكاهنتين لا يحصلان على أي زيت ويرجوه بأ، يكتب بنفسه لمنيدس بخصوص ذلك، فحول الموضوع في 26 يناير سنة 161 إلى دوريون الذي كتب بعد ذلك بثلاثة أيام تقريرًا مؤداه أنه لم يؤمر للكاهنتين بشيء عن العام العشرين. وقد أرسل هذا التقرير في 5 فبراير إلى موظف متشكك أراد أن يعرف مقدار ما صرف من الزيت للكاهنتين في العام السابق قبل أن يحدد الكمية التي يجب صرفها لهما شهريًا، فأحيل الموضوع إلى أريوس الذي كتب في 8 فبراير سنة 161 بأنه لم يؤمر للكاهنتين بشيء في العام التاسع عشر، لكنهما أعطيتا في شهر ديسمبر من العام العشرين ما تستحقانه عن العامين الثامن عشر والتاسع عشر ومقداره متريتان. وعندئذ أرسل منيدس تقريرًا إلى سارابيون الذي وقع عليه بعبارة استخلصت منها الكاهنتان أنه طلب إلى منيدس تصحيح التقرير الذي أعده مساعدوه. وقد وجهت الكاهنتان إلى مساعد وزير المالية نداء لم يكن له أثر سريع، لأنهما عند نهاية ذلك العام أو في بداية العام التالي رفعتا التماسًا جديدًا إلى الإلهين فيلومتورس راجيتين تحويله إلى القائد ديونيسيوس ليأمر الأبيميليتس المساعد أبولونيوس بصرف استحقاقهما عن العام العشرين واتخذ ما يلزم من الإجراء فيما يتعلق بالأعوام التالية. ويبدو أن الأمر انتهى بتحقيق مطابهما، ومع ذلك فقد تردد بطلميوس في إثارة الموضوع الخاص بما تأخر لهما من مرتب الخبز. لكنه عندما صمم على ذلك وقدم شكايتين بشأنه، أقر سارابيون استحقاق الكاهنتين، وأمر منيدس تكليف شخص يدعى بسنتايس بتنفيد ذلك. إلا أن هذا الشخص لم يفعل شيئًا. وإزاء ذلك قدم بطلميوس إلى سارابيون شكوى حوت اتهمًا صريحًا للأشخاص المشرفين على إدارة المعبد. فإنه بعد ما بين مرتبات الخبز المتأخرة للكاهنتين اتهم أولئك الأشخاص بأنهم ينهبون الملك ويبيعون الأذرة التي يختلسونها بسعر 300 دراخمة للأردب، وطالب بارغام بسنثايس على تسليم المتأخر للكاهنتين حتى ذلك الوقت وقدره 160 أردب.

إننا لا نعرف كيف انتهى هذا الأشكال، الذي اكتسب شهرةواسعة في العصور الحديثة. وعلى الرغم من بساطة هذا الأشكال في ذاته، فإنه يعطينا مثلاً سيئًا لعدم أمانة الموظفين. ولا يبعد أنه قد ساعد على ذلك تعقد الإجراءات الحكومية والصعوبات التي كان الناس يصادفونها في الحصول على حقوقهم بالطرق الإدارية، ومع ذلك يجب ألا ننسى أننا لم نسمع في هذه المسألة إلا رأى أولئك الذين أثارت سخطهم تلك الإجراءات وأثاروا أيضًا سخط الموظفين بسبب رفع مظالمهم على الدوام إلى رؤسائهم.

والآن نتناول الكلام عن القضايا التي كانت تمس صوالح الخزانة، فإنها كانت من صميم اختصاص القضاء الخاص. ولما كنا نعرف أن الحياة الاقتصادية كانت تنصل بصوالح الخزانة العامة اتصالاً وثيقًا، فإن هذا يشير إلى مدى اتساع نطاق القضاء الخاص في الشئون المدنية والجنائية على السواء. وقد كان يفصل في مثل هذه المنازعات التي لا حصر لها الملك ووزير المالية ومساعدوه والابيميليتس والاويكونوموس والنومارك، وكذلك القائد عندما أصبح في القنر الثاني يشرف على إدارة موارد الدولة. وترينا بعض الوثائق التي من منتصف القرن الثالث أنه في بعض الأحيان كان وزير المالية ينيب عنه أحد القضاة الإغريق (Chrematistes) ليبحث الموضوع ويقدم له تقريرًا يصدر الحكم على ضوئه.

ولكي لا تتحمل الخزانة العامة أية خسارة عند اشتباكها في نزاع مع الأهالي، حظر على المحامين أن يدافعوا عن المتهمين ضد مصالح الخزانة العامة وإلا تعرضوا لعقوبة صارمة. ونجد صدى ذلك في الرسالة التي بعث بها فيلادلفوس إلى وزير ماليته أبولونيوس، فقد جاء فيها "من الملك بطلميوس إلى أبولونيوس سلام. بما أن بعض المحامين المذكورين فيما بعد يتولون الدفاع في قضايا مالية ضد مصالح موارد الدولة، فهمر بأن الذين ترافعوا في هذه القضايا يدفعون للخزانة العامة ضعف ضريبة العشر ويمنعون منذ الآن من المرافعة في أية قضية كانت. وإذا ثبت في المستقبل أن أي واحد من أولئك الذين ألحقوا ضررًا بالموارد العامة قد ترافع في أية قضية كانت. فإنه يجب إرساله إلينا تحت حراسة جيدة ومصادرة أملاكه لمصلحة الخزانة العامة. الخامس عشر من شهر جوربيابوس في العام السابع والعشرين.

وليس معنى ذلك أحياء التقاليد المصرية القديمة التي كانت لا تسمح بالمرافعات الشفوية وإنما بالمذكرات فقط على نحو ما يحدثنا ديودوروس، لأن فيلادلفوس لم يهدف إلا إلى حماية مصالح الخزانة العامة بتحضير مرافعة المحامين بل استشارتهم في القضايا التي تمسها، فلا عجب أن هذا القضاء المالي لم يكن منصفًا بل كان مجحفًا وصارمًا وهل أدل على ذلك من أنه صدر عن أحد عمال مصنع للجمة بعض ملاحظات اعتبرها مراقب المصنع مهينة وجارحة فبات هذا العامل المسكين مهددًا بأن يجر في الشوارع ويشنق دون أي عناء؟!

ولما كانت هذه القضايا لا حصر لها وتكاد تكون على وتيرة واحدة فإننا نكتفي بالإشارة إلى بعضها. ومثل ذلك أولئك الأشخاص الذين أمر وزير المالية بسجنهم، وكان عددهم كبيرًا إلى حد أن السجن ضاق بهم. ولعلهم كانوا عمالاً كسالى، شأنهم شأن أولئك الذين شكا منهم أحد الملتزمين وملأ الرعب قلبه من أن يسجن هو نفسه إذا لم يتم العمل في الوقت المحدد لذلك. أو لعلهم كانوا عمالاً يشتغلون في المحاجر لقاء أجر زهيد مما حدا بهم إل هجر عملهم، مثل أولئك الملاحين الذين أهملت الإدارة المالية في إمدادهم بالمؤنة فهددوا بترك العمل. ولدينا ظلامات كثير رفعها سجناء إلى رجال الإدارة المالية، الذين يبدو دون شك أنهم أمروا بسجنهم بسبب ما كان عليهم من الديون للخزانة العامة. ومثل ذلك تلك الشكوى التي قدمها للابيميليتس أحد أولئك التاعسين، وذكر فيها أنه فقير مدقع ومع ذلك فرضت عليه غرامة دون وجه حق ويكاد يموت جوعًا في السجن ويعتمد على الأبيمليتس أحد أولئك التاعسين، وذلك فيها أنه فقير مدقع ومع ذلك فرضت عليه غرامة دون وجه حق ويكاد يموت جوعًا في السجن ويعتمد على الابيميليتس لإنقاذه.

وكذلك أخرجت من اختصاص القضاء العادي قضايا أولئك الذين كانوا يخدمون موارد الملك (hypoteleis)، حتى إذا كان موضوع هذه القضايا لا يمت بصلة إلى هذه الموارد. وبذلك كان العمل الاقتصادي الذي يؤديه بعض الناس يكسبهم امتيازًا قضائيًا، تمسك به الزراع والعمال والصناع الذين كانوا يخدمون الملك وقبله الموظفون عن طيب خاطر، لأن اسناد الفصل في هذه القضايا إليهم كان يساعد على ازدياد نفوذهم وسلطانهم. وترينا الوثائق المختلفة كيف كان الملوك ورعاياهم يتفهمون هذا الامتياز القضائي. ذلك أن أحد عمال المصابغ الخاضعة لإشراف الملك اعتدى على شخص وجرحه، فشكا هذا المسكين إلى الأويكونوموس من غريمه وأردف ذلك بقوله: "أنه يسخر مني لأنه أحد الذين يخدمون موارد الملك، ولذلك لا أستطيع أن أنال حقي منه بتقديمه للمحكمة (العادية)".

ومن المحتمل أن مزارعي الملك كانوا يتمتعون بهذا الامتياز القضائي منذ القرن الثالث. وعلى كل حال فإن بطلميوس الثامن عند ما أعاد تنظيم الإجراء الواجب اتباعه في المنازعات الخاصة بالعقود، وجعل نوع الهيئة المختصة بالفصل في مثل هذه المنازعات تتوقف على لغة العقود موضوع النزاع، أخرج من اختصاص الفضاء العادي المصري والإغريقي قضايا العقود الخاصة بمزارعي الملك وغيرهم من سائر الطوائف التي تخدم موارد الملك. فهل كان الامتياز القضائي الذي تتمتع به هذه الفئة من الناس أوسع نطاقًا من ذلك لكن الملك لم يشر في قراره إلا إلى المنازعات الخاصة بالعقود فقط، لأن هذه الفقرة من ذكل القرار المهب كانت مقصورة على الكلام عن قضايا العقود بوجه عام؟ هذا محتمل كما يبدو من الشكوى السابقة، وإن كان لم يصلنا تأييدًا لهذا القرار إلا نص يتناول موضوع دين خاص على بعض مزارعي الملك. ومؤدي هذا النص، الذي يرجع تاريخه إلى أربعة أشهر عقب صدور قرار عام 118، أن عددًأ كبيرًأ من مزارعي الملك قد هجروا مقرهم لأن القرارات التي صدرت لصالحهم لم تحترم، إذ بدلاً من تقديم قضيتهم الخاصة ببعض الديون إلى القضاة المختصين عرضت على محاكم أخرى، وإزاء ذلك تركوا أعمال الري وغير ذلك من وجباتهم. وقد ذكرت هذه المسألة في مقدمة منشور مهلهل يبدو أنه أريد به منع القضاة من النظر في القضايا المرفوعة ضد مزارعي الملك "أثناء موسم الري و..."، ويبين من ذلك أن مفعول قرار عام 118 قد قصر على موسم الأعمال الزراعية. ولعل ذلك يرجع إلى أن الامتياز القضائي الذي منح لمزارعي الملك وغيرهم في مسائل الديون الخاصة قد أضر بالدائنين فأثار نقمتهم ومعارضتهم مما أفضى إلى الحد من مفعوله.

ويبدو من وثيقة من منتصف القرن الثاني أن الامتياز القضائي الممنوح لمزراعي الملك على الأقل يرجع إلى عهد سابق على قرار عام 118، وأنه كان لا يقتصر على قضايا الديون الخاصة فقد، إذ أن هذه الوثيقة تحدثنا بأن شخصًا يدعى ثوتورتايوس (Thotortaeos) نزع آخر يدعى باناس على ملكية أو حيازة قطعة أرض من أملاك التاج كان قد استأجرها أو "اشتراها" في العام السادس عشر من حكم بطلميوس الخامس، فقدم شكوى إلى الأويكونوموس ديونيسيوس، الذي نظر القضية بمساعدة شيوخ القرية ومندوب من قبل كاتب القربة، وقرر حق باناس على الأرض. لكن ثوتورتايوس قدم شكوى أخرى إلى القائد، فحولها إلى الابيستاتس الذي عقد محكمته في 12 أغسطس سنة 157 ونظر القضية وأيد حق باناس على الأرض وحظر على خصمه أن يطأها وإذا كانت محكمة الابيستاتس قد فصلت في هذه القضية التي يبدو أنها لم تكن اختصاصها، فإنه يتضح من النص السابق أن هذه الم تكن الحالة الوحيدة من نوعها، التي عرضت فيها قضية على هيئة غير الهيئة المختصة بنظرها. ومما يجدر بالملاحظة أن هذا مثل آخر لعرض قضية على هيئتين قضائيتين.

لقد اتسع نطاق القضاء الخاص إلى حد خطير كان يهدد سلطة البطالمة، لأنهم مسحوا سلطات قضائية إلى عدد كبير من رجال الإدارة الذين أصبحوا نتيجة لذلك يجمعون بين السلطة التنفيذية والسطلة القضائية. وليت ذلك قد أدى إلى حسن تصريف العدالة، فإنه في كثير من الأحوال كان يفصل في المنازعات أشخاص ليست لديهم المؤهلات اللازمة لذلك، ولاسيما أنه كثيرًا ما كانت تتنازعهم في أداء هذا العمل الشاق الدقيق رغبتان متناقضتان هما رغبة أداء الواجب ورغبة إرضاء مصالح الملك على نحو ما نرى في القضية التالية. وهذه القضية خاصة بسيدة تدعى سنسيس (Sensis) حملت زوجها على أن برهن لها كل ما يملكه بما في ذلك بيته في قرية أوكسيرينخا، وذلك ضمانًا لحصولها على الصداق والنفقة. ولكي يفسد الزوج عليها تدابيرها ويحرمها ضمانها، حاول أولاً أن يبيع البيت. ولما لم يفلح في ذلك قدمه للخزانة الملكية بمثابة ضمان لهيراكليدس ملتزم الضرائب، مؤملاً أن يحرم بذلك زوجته حقها على البيت. وإزاء ذلك أرسلت الزوجية شكوى إلى الأويكونوموس، ليحميها من ضياع حقوقها وترجوه أن يكتب للإيميليتس لكي لا يقبل البيت من زوجها بمثابة ضمان لملتزم الضرائب.

ولا شك في أنه كانت توجد قوانين يصدر الأويكونوموس قراره على ضوئها، لكن ما أكثر الأدلة على ضعف القوانين البطلمية! أن مصلحة أحد الأفراد تتعارض في هذه القضية مع مصالحة الخزانة الملكية. ولاشك في أن روح النظام البطلمي كانت توحي بتقديم مصلحة الخزانة الملكية على ما عداها. لكن إذا افترضنا أن القانون كان يعطي الأفضلية للسيدة، فهل كان لدى الأويكنوموس القائم على تنفيذ القانون من الشجاعة الأدبية ما يسمح له باحترام القانون؟ وإذا كان القانون والقائمون على تنفيذه لا يرعون إلا مصلحة التاج قبل كل شيء فيالضيعة العدالة في القضاء الخاص!
ولا شك في أن الكثيرين كانوا يسيئون استغلال الامتياز القضائي الذي منح للذين كانوا يخدمون موارد الملك، فقد كان من اليسير أن يصبح الإنسان في عداد هذه الفئة، إذ كان يكفي أن يضمن أحد ملتزمي الموارد الملكية ويرهن أملاكه لفائدة الخزانة ومن ثم لا يمكن تقديمه للقضاء العادي، وبذلك كان لا يمكن إرغامه على أداء التزاماته نحو دائنيه. وقد رأينا كيف أن ذلك الزوج قدم أملاكه ضمانًا لأحد ملتزمي الضرائب لكي لا يدفع الصداق لزوجه التي يحتمل أنه كان ينوي طلاقها، ولكي لا يمكنها من تنفيذ عقد الرهن الذي لديها على أملاكه، ولاشك في أن هذه القضية لم تكن فريدة في نوعها، ولذلك فإن القضاء الخاص كان منافيًا لعدالة ومنافيًا للأخلاق القويمة وخطرا على سيادة البطالمة، ولاسيما أن رجال الإدارة ـ وقد اتسعت سلطتهم وازداد نفوذهم ـ اشتطوا في تصرفاتهم وأوغلوا في استخدام سلطتهم ونفوذهم.

ويبدو أن البطالمة أدركوا كل هذه المساوئ أو بعضها على الأقل، مما حدا ببطلميوس الخامس إلى أن يصدر منشورًا في عام 184/183 يأمر الموظفين بأن يراعوا في أحكامهم القواعد الواردة في القرارات والأوامر التي أصدرها الملوك المتعاقبون، وبأن يعاقب الذين يسجنون الناس استخفافًا بالقانون، وبأن يرسل إليه الموظفون الذين يسجنون أشخاصًا نتيجة مشاجرات مفتعلة. أو يستخدمون معهم وسائل التعذيب. وفي عام 118 حظر بطلميوس الثامن استخدام التعلذيب مع المشرفين على دخل الموارد المقدسة، وفي عام 109/108 حظر بطلميوس التاسع على سائر الموظفين في كل أنحاء البلاد أن صادروا أملاك أحد أو يلقوا القبض على أحد دون أمر من المحكمة.

وقد بقى أن نتناول الكلام عن القسم لآخر من القضاء الخاص، وهو الذي أفردناه للقضايا بين رجال الجيش. وإذا كان البطالمة قد منحوا امتيازًا قضائيًا للذين كانوا يخدمون مواردهم وبذلك أخرجوهم من اختصاص القضاء العادي، فإنه يبدو لنا أن البطالمة أنشأوا أيضًا محاكم خاصة لرجال الجيش فقد كانوا يتمتعون بمنزلة ممتازة في البلاد، بسبب اعتماد البطالمة عليهم في تأييد سلطانهم في الد اخل وفي تكوين إمبراطوريتهم في الخارج. ويؤيد هذا الرأي أنه قد وصلت إلينا من مديرية الفيوم ـ وكان حل سكانها من رجال الجيش الذين أسكنهم البطالمة هناك ـ وثائق تحدثنا عن نظر قضايا بين رجال من الجيش أمام محكمة مختلفة عن سائر المحاكم الأخرى التي صادفناها. ويبدو من وثيقة أخرى من هيراكليوبوليس، أي من مدينة لم تكن في الفيوم، أن قضية بين رجلين من الجيش قد نظرت أمام محكمة مماثلة. لكن كل هذه الوثائق، التي سنعود إليها ثانية، ترجع إلى القرن الثالث فقط، فهل سبب هذا الصدفة فقط أم أنه لم يعد لهذه المحاكم وجود بعد القرن الثالث؟ وإذا صح أن هذه المحاكم ألغيت بعد القرن الثالث، فهل إلغاؤها يرجع إلى أنه لم يعد للجيش عندئذ من الأهمية ما كان له من قبل، أم إلى الإقلال من الإمتيازات الممنوحة لرجال الجيش الأجانب بعد موقعة رفح إرضاء للمصريين؟ أم إلى هذين السببين مجتمعين؟ أم إلى أسباب أخرى؟ هذا ما لا نستطيع الإجابة عنه إزاء قلة ما لدينا من المعلومات، وكل ما يمكننا الإدلاء به هو ما نرجحه من أن رجال الجيش كانوا يحاكمون أمام محاكم خاصة في خلال القرن الثالث قبل الميلاد على الأقل. لكن بوشيه لكلرك يرى أن هذهالمحكمة الت يوجدناها في الفيوم لم تنشأ إلا لغرض معين و مؤقت، وهو الفصل في القضايا التي تراكمت في الفيوم، إلا أنه يبدو غريبًا أن تكون القضايا المتراكمة والتي أريد إنهاؤها مقصورة على قضايا أشخاص من الجيش. ولو صح ذلك لما كان من اختصاص هذه المحكمة النظر في القضايا الجديدة وإنما الاكتفاء بإنجاز القضايا القديمة. يضاف إلى ذلك أنه قدمت إلى هذه المحكمة قضية في العام الحادي والعشرين من حكم بطلميوس الثالث ولم يفصل فيها إلا في العام الخامس والعشرين. فكيف يمكن إذن تفسير ذلك لو لم تكن هذه المحكمة مستديمة؟ وكيف يمكن أيضًا تفسير وجود محكمة هيراكليوبوليس التي نظرت هي أيضًا قضية بين رجلين عسكريين قبل أن تنظر محكمة الفيوم، أقدم عهدًا من محاكم القضاة الإغريق، وإن إنشاء هذه المحاكم الفيوم، أقدم عهدًا من محاكم القضاة الإغريق، وإن إنشاء هذه المحاكم قضى على المحاكم القديمة كلية أو أدى إلى استخدامها بصفة استثنائية.ولعل الرأي الأدنى إلى الحقيقة هو أنه كما ذكرنا من قبل، كان لرجال الجيش محاكم خاصة بهم على الأقل في القرن الثالث قبل الميلاد.

وترينا وثائق الفيوم أن هذه المحكمة الخاصة كانت تنعقد في كروكديلوبوليس، عاصمة المديرية، حيث نظرت في عدة قضايا لم تصل إلينا إلا وثائق سبع منها ترجع إلى العام العشرين والحادي والعشرين والخامس والعشرين من عهد بطلميوس الثالث. وكانت المحكمة تتألف من عشرة قضاة كان يختار أحدهم رئيسًأ، أما لجلسة واحدة أو لدور انعقاد بأكلمه، فإن ياسون (Jason)، الذي تولى رئاسة المحكمة في التاسع والعشرين من شهر بريتيوس (Peritios) وفي الثلاثين من شهر كزانديكوس (Xandicos) في خلال العام الحادي والعشرين، كان قاضيًا كسائر القضاة الآخرين تحت رئاسة شخص آخر في الخامس عشر من شهر ديستروس (Dystros) في العام نفسه. وكان تاكسكوس وماياندروس (Maiandros) وزنوثيميس (Zenothemis) رؤساء في بعض الجلسات وقضاة عاديين في جلسات أخرى، مما يبعث على العتقاد بأن أعضاء هذه المحكمة الخاصة كانوا ضباطًا في الجيش. وإذا كان البعض يرجح أنهم كانوا من أعيان المنطقة، فلا يبعد إذن أنهم كانوا ضباطًا لأن هذه المنطقة كانت تعج برجال الجيش كما سلف القول.

ولا نعرف موضوع النزاع في كثير من القضايا التي عرضت على هذه المحكمة الخاصة في الفيوم، لأن التقارير الموجزة التي وصلتنا عنها لم تعن بالإفصاح عن موضوع القضايا قدر عنايتها بتأريخها وفقًا للتقاليد المتبعة بأسماء كهنة البطالمة المؤلهين، وذكر أسماء القضاة، وبيان أسماء الطرفين المتخاصمين بالشكل الآتي: "فصل غيابيًا في القضية التي رفعها (فلان) ضد (فلان) استنادًا إلى عقد". ومعنى ذلك أن بعض القضايا التي فصلت فيها هذه المحكمة كانت قضايا مدنية لكنها لم تكن جميعها كذلك، فقد اشتكى إلى هذه المحكمة شخص من اعتداء آخر عليه بالضرب، وفي تلك الجلسة نفسها نظرت المحكمة في قضية خاصة بثمن معطف يبدو أنه سرق من صاحبه.

وإذا كانت كل القضايا التي عرضت على هذه المحكمة تمتاز بأنها بين رجال عسكريين ينتمي أغلبهم إلى طبقة "السلالة" (epigone)، فإن والثاني والعشرين من عهد بطلميوس الثالث كانت ضد أشخاص متغيبين. وعندما انعقدت هذه المحكمة في العام الخامس والعشرين فصلت في قضية ك انت قد قدمت إليها في العام الحادي والعشرين. والوثيقة الخاصة بهذه القضية تشير شفغنا العلمي، لكنها لا تشبعه بسبب حالتها السيئة، غير أ،ه يبدو منها أن طرفي الخصومة كانا ا ليهودي ديوسيثيوس من طبقة السلالة والسيدة اليهودية هيراكلية، وكان الوصي عليها رجلاً أثينيا يدعى أريستيدس من طبقة السلالة. ويلوح أن الخصومة بين الطرفين كانت في بدايتها مشادة كلامية انقلبت إلى شجار بصقت في خلاله هيراكلية على دوسيثيوس وأمسكت بتلابيبه فقدم شكواه مطالبًا خصمه بتعويض. غير أن الصعاب اكتنفت القضية مما أدى إلى استطلاع رأي الملك، الذي حدد بهذه المناسبة الأصول القانونية الواجب تطبيقها في القضايا التي من اختصاص المحاكم الإغريقية. وهذه الأصول هي الأوامر الملكية (diagrammata)، على أن تطبق القواني الحضرية (Politikoi Nomoi) فيما لم يرد عنه نص في هذه الأوامر. وما سبب استطلاع رأي الملك، ولماذا طال أمد الفصل في هذه القضية؟ لعل ذلك يرجع إلى أن طرفي الخصومة كانا من اليهود وأن البطالمة كانوا قد أباحوا ولم يشأ الشاكي الانتقال إلى الإسكندرية للفصل في النزاع، متمسكًا بأن الطرفين من الإغريق وإن كانا من أصل يهودي. وقد تقدم المدعي إلى المحكمة الخاصة باعتبار أنه هو والوصي على خصمه من رجال الجيش. وإزاء كل هذه الظروف كان لا يمكن عرض القضية على هذه المحكمة قبل الحصول على إذن بذلك من الملك، وأخيرًا صدر المكل أمره إلى قائد المديرية في العام الخامس والعشرين بتحول القضية إلى هذه المحكمة الخاصة. ولما كان دوسيثيوس قد تخلف عن حضور الجلسة فإن المحكمة قررت رفض الدعوى.

وتحدثنا وثيقة بردية عن قضية مدنية بين ضابطين، كان أحدهما يدين الآخر بمبلغ قدره 1050 دراخمة، فرفع الدائن على مدينة قضية نظرت أمام محكمة هيراكليوبوليس التي نعتقد أنها كانت محكمة خاصة لرج ال الجيش، لأن الكل يسلم بأن الاصطلاحات التي استخدمت في محضر هذه القضية مماثلة للإصطلاحات التي استخدمت في محاضر جلسات قضايا المحكمة الخاصة في كروكوبلوبوليس، ولأن طرفي الخصومة هنا أيضًا من رجال الجيش. ويبدو من العبارات التي استخدمت في تاريخ هذه الوثيقة أنها ترجع إلى عصر بط لميوس الأول، أو على الأقل إلى تاريخ سابق على تأليه بطلميوس الثاني وزوجه (الإلهين الأخوين) واستخدام اسم كاهن عبادتهما في تأريخ الوثائق. وقد سبق أن ذكرنا أن أول وثيقة وصلت إلينا حتى الآن وورد فيها ذكر الإلهين الأخوين ترجع إلى عام 272/271 ق.م.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
كافة الحقوق محفوظة لـ منتدى المراجع المصرى/المحاسب القانونى محمد صفوت