عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-10-2019, 09:31 AM
ميمو ميمو غير متواجد حالياً
مدير عام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
المشاركات: 7,194
افتراضي شوقى السيد-المشهد الضريبى

■ أكد أساتذة وخبراء الاقتصاد والمالية، منذ زمن بعيد، أن الضرائب أهم أداة من أدوات السياسة الاقتصادية التى تساهم فى تحقيق التنمية الشاملة، وحذّروا من تخاذها أداة «للجباية» واستهداف زيادة الحصيلة وحدها، وأكدت الأحكام القضائية بأنها تعتبر فى هذه الحالة غير دستورية.

■ وفى مؤتمر صحفى أعلنت وزارة المالية أنها تستهدف خلال العام الحالى 2019/2020 تحصيل 856 مليار جنيه و600 مليون ضرائب، وأنها قد حققت فى العام الماضى زيادة عن المستهدف بلغت 106% حيث كانت 688 مليارا وصلت الى 700 مليار!، وأنها فى سبيل إجراء إصلاحات مؤسسية للمنظومة الضريبية، وتطوير أسلوب العمل بمصلحة الضرائب، عن طريق التعاقد مع شركات خبرة عالمية فى مجال الاستشارات، وإرسال فريق للاطلاع على بعض التجارب الدولية فى الصين وفرنسا والمكسيك، وأكد رئيس مصلحة الضرائب فى تصريح لـ«المصرى اليوم» نشر يوم الأحد الماضى ميكنة جميع الإجراءات والنظم الضريبية، وأنه يجرى التعاقد مع شركات عالمية متخصصة، فضلا عن تشكيل لجنة لتعديل قانون الضرائب الحالى، كما أعلن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن 82% من إيرادات الدولة من مصلحة الضرائب، بعد أن تعددت أنواعها وتزايدت أشكالها بين ضرائب الدخل.. والقيمة المضافة والضريبة العقارية، وغيرها!!

■ لكن الخطر اتخاذ الضريبة «أداة للجباية»، والحرص على زيادة حصيلتها مقدماً، أو المفاخرة بتجاوز المستهدف منها، إذ يتعين الاهتمام بكيفية تطبيق التشريعات الضريبية، فى مواجهة مأموريات كبار الممولين أو متوسطيهم أو غيرها من المأموريات المتنوعة، والتعامل مع الممولين وأسلوب الفحص والربط والإخطار بحسن النية وبإجراءات ميسرة وأمام اللجان الداخلية ولجان الطعن وغيرها، بإجراءات وبقرارات عادلة، وهى ثوابت محددات يتعين مراعاتها لتحقق الضرائب أهداف السياسة الاقتصادية والاجتماعية فى للبلاد!!

■ ومنذ خمسة عشر عاماً، صدر قانون الضرائب عام 2005 ومازال مطبقاً، وقامت فلسفته، استهداء بما تطبقه الدول المتقدمة، من تحقيق العدالة الضريبية وتخفيف العبء الضريبى وتوسيع دائرة الخاضعين بتحقيق عدالة توزيع العبء الضريبى.. وتطوير الأداء وإرساء دعائم الثقة بين الممول ومصلحة الضرائب، والأخذ بإقراره، واعتباره أساس الربط، وسداد الضريبة وفقا للإقرار، واستبعاد إجراء الفحص السنوى، وتيسير الإجراءات، وهى الفلسفة التى أكدها واضعو التشريع وقتئذ، وكان فى مقدمتها الاعتداد بالإقرار الضريبى والفحص بالعينة، وفى المقابل تغليظ العقوبات فى حالة مخالفة الإقرار للحقيقة!!

■ وفى شجاعة وجرأة، نص القانون على إنهاء المنازعة الضريبية القائمة، بسداد نسبة تتراوح من 10% إلى 40% من قيمة المنازعة الضريبية، وإنهاء المنازعات الضريبية، وقد أدى ذلك كله إلى إنهاء المنازعات وزيادة حصيلة الضريبة وتحقيق فلسفتها!!

■ لكنه بكل أسف، سرعان ما أسفر التطبيق العملى بعدها، عن عودة الحال إلى أسوأ مما كان قبل صدور القانون، أى منذ ربع قرن من الزمان، ففى تصريح لمسؤول كبير فى مؤتمر الشباب السادس بجلسة 29/7/2018 أعلن أنه تم الانتهاء من ميكنة 23 ألف ملف ضريبى، وربط ضريبة مستحقة على الممولين بقيمة 5 مليارات جنيه من أصل 900 مليار جنيه قيمة منازعات بين الممولين والمصلحة فى 94 ألف ملف ضريبى تم تأجيلها طيلة أكثر من عشر سنوات ماضية!! بما يعنى العودة إلى تكاثر المنازعات الضريبية أمام لجان الطعن والمحاكم، وهو أمر ما زال واضحا من الكم الهائل من القضايا المتداولة أمام محكمة القضاء الإدارى، بعد زلزال حكم المحكمة الدستورية بعدم اختصاص المحاكم المدنية التى نص عليها قانون الضرائب واختصاص مجلس الدولة، وما زالت آلاف القضايا مكدسة منذ عام 2013، وملقاة فى ردهات المحاكم حتى الآن!!

■ تعالوا بنا يا حضرات نشهد ما جرى، فالدولة تستهدف من الضرائب زيادة الحصيلة.. وتحدد مقدارها مقدماً.. وتُلزم المأموريات بتحقيق المستهدف.. ولا تقبل عن ذلك بديلاً، وتُقّيّم أداء المسؤولين وكفاءتهم تبعاً لتحقيق المستهدف من زيادة الحصيلة، وتتبع من الإجراءات التنفيذية بما فيها إجراءات الحجز والتحصيل مهما كانت الأسباب، رغم أن غايتها فى الأساس تحقيق العدالة الضريبية.. وتحقيق التنمية الاقتصادية، وأن تكون متعددة المصادر وتصاعدية، ومتعددة الشرائح تبعاً للقدرة التكليفية، وأن يكفل النظام الضريبى لجميع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة تحفيزاً لدورها فى المصلحة الاقتصادية والاجتماعية، والارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الحديثة، وتحقيق الكفاءة والتيسير فى تحصيلها، وعدم اتخاذها أداة للجباية، كل ذلك مبادئ وأحكام وردت صراحة بالمادة 38 من الدستور المصرى فى باب المقومات الاقتصادية للدولة، وتؤكدها أحكام القضاء الدستورى والعادى، ويتفق عليها الفقهاء والعلماء فى التشريعات الاقتصادية والضريبية، واعتنقتها نصوص القانون الحالى منذ عام 2005 وحتى الآن.

لكن ما حدث.. غابت فلسفة القانون، واتبعت إجراءات معقدة فى الفحص والتحريات والربط، والموظفون لا يجدون عنها سبيلا...، فسوء النية فى جانب الممول مفترض فلا يؤخذ بإقراراته الضريبية، والعودة إلى الفحص والربط سنويا لكل الممولين، وإهدار قاعدة الفحص بالعينة بالمخالفة للقانون، والفحص والربط والتقدير يتم عشوائياً لتحقيق المستهدف من زيادة الحصيلة، وسلطة المسؤولين فى اتخاذ القرار المنصف والعادل ذهبت فى خبر كان، خشية المسؤولية والحساب، وتُبلغ الأرقام المحاسبية للممولين عن سنوات المحاسبة، بشكل لا يُقرأ ولا يُفهم، وإذا لجأ الممول إلى اللجنة الداخلية ووافق على سداد الضريبة، سرعان ما تلاحقه إدارة الحجز بالغرامات ومقابل التأخير بأثر رجعى اعتبارا من السنوات المالية السابقة، فتكون الغرامة أكثر من مبلغ الضريبة ذاتها، رغم ما استقرت عليه الأحكام ولجان الطعن من أن العبرة بتاريخ الموافقة أمام اللجنة الداخلية أو لجان الطعن، ولا تفرض الغرامة والفوائد بأثر رجعى، ولهذا يندم الممول على ما فعل، ويضطر إلى الطعن.. وبعدها إلى القضاء لتظل منازعات الضرائب لسنوات، لهذا يفضل الممولون البقاء بعيدا عن الفحص والمحاسبة، وتتأخر إجراءات الفحص والربط لسنوات، واندثرت الثقة بين الممول والمصلحة، وارتفع شعار سوء النية.. وإهدار قيمة الإقرارات بقصد الحصول على المستهدف من الضريبة، والمضى فى الإجراءات والتحصيل وكأنها أداة للجباية بما يؤثر سلبا على السياسة الاقتصادية والتنمية التى نجحت فى السنوات الأخيرة!!

■ إذا كان ذلك هو المشهد الضريبى الجارى، الذى عبرت عنه تحقيقات صحفية بجريدة أخبار اليوم السبت الماضى، ومقالات لكبار الكتاب «سليمان جودة» بجريدة المصرى اليوم يومى 3، 4 أغسطس الجارى، فمتى نفهم فلسفة السياسة الضريبية وفقا للدستور والقانون، ومتى نحترم نصوصه وأحكامه، ومتى نعيد الثقة بين الممول ومصلحة الضرائب، والأخذ بالإقرار الضريبى، لتحقيق اتساع دائرة المجتمع الضريبى، وتشجيع الممولين على التسوية أمام اللجان الداخلية، ومتى نتوقف عن المطالبة بالغرامات والتأخير بأثر رجعى، وأن نحترم ما استقرت عليه أحكام القضاء، ومتى نتخذ قراراً شجاعاً وعادلاً أمام المنازعات الضريبية القائمة التى تتكاثر كل يوم أمام اللجان والمحاكم والتى يشكو منها الممولون، كما يشكو الموظفون ظروف العمل بسبب الفحص الإجبارى وكثرة الإجراءات وتعقدها، ومتى نستهدف تحقيق العدالة الضريبية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية التى تحرص عليها النصوص القائمة ويعطلها التطبيق، علّ ذلك يكون قريبا قبل فوات الأوان، فليس بفرض الضريبة وحدها تتحقق التنمية والعدالة الاجتماعية لأن حياة القانون دائماً فى تطبيقه!!

■ ملحوظة: بعد كتابة المقال، وقبل نشره أصدر وزير المالية، فى الاتجاه المعاكس، القرار رقم 484، ليؤكد تطبيق غرامات التأخير بأثر رجعى من تاريخ الإقرار، وليس من تاريخ الموافقة أمام اللجنة الداخلية أو أمام لجنة الطعن، فماذا سوف يكون عليه حال التعديلات القادمة لقانون الضرائب الجديد؟!.


ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس